13
من ثلمات الحصار لولا لطف من الله تداركني عن قيد شعرة، ومن مثل استئساري يوما لعدو وقح باعني بيع الرقيق، ومن مثل شرائي رقبتي وضروب الغرائب التي صادفتها في أيامي. وكان في خلال إخباري بتلك الوقائع يدخل في كلامي تصوير مفاوز
14
فسيحة وصحارى قاحلة ومحاجر وصخور وجبال تشمخ بقممها إلى العنان. كل هذه الأعراض كانت تمر تباعا في أقوالي ناهيكم بمشاهداتي لأكلة اللحوم البشرية ولأقوام أخر جعل الله رؤوسهم تحت أكتافهم. وكانت ديدمونه تسمع هذه الأقاصيص بشغف. سوى أن بعض مشاغل البيت كانت بين آن وآن تضطرها للقيام، فإذا انصرفت لها قضتها بأسرع ما تستطيع وعادت تشرب حديثي بأذن ظمأى. فلما لمحت ذلك منها استدرجتها ذات يوم في ساعة مناسبة لتسألني أن أقص عليها بالتمام سيرة رحلاتي التي كانت قد سمعت منها نتفا ولم تتمكن من استتباعها فأعدت عليها تلك السيرة كما أرادت، وكنت أراها غير مرة تبكي رحمة لشبابي مما أصابني فيه من الأرزاء الأليمة. وعندما ختمت قصتي كافأتني عليها بتنهدات لا تحصى وأقسمت أنها غريبة في الغاية وأنها محزنة إلى النهاية بحيث تمنت لو لم تسمعها، على أنها قالت في بعض ما قالت إنها كانت تود لو خلقها الله رجلا على هذا المثال، ثم شكرت لي معروفي وكاشفتني بأنه إذا كان لي صديق يحبني فحسبي أن أعلمه كيف يقص ترجمة حياتي لترضى به قرينا. هذه العبارة جرأتني فبحت لها بما في ضميري وعلمت منها أنها أحبتني بسبب الأخطار التي عانيتها وشعرت من نفسي أنني أحببتها لما تبينت من شفقتها علي ورقتها لي. ذلك هو الفن الوحيد الذي توسلت به إليها من أفانين السحر. على أنها قادمة وستسمعون شهادتها. (تدخل ديدمونه)
الدوج :
أعتقد أن قصة كهذه تستهوى بها ابنتي أيضا. أيها العزيز برابنسيو لا تنظر إلى هذه المسألة من حيث تؤلمك. إن الرجال لأشد دفاعا عن أنفسهم بأسلحتهم المحطمة منهم بأيديهم وهي خالية.
برابنسيو :
ألتمس أن تسمعوا كلامها لتعترف أنها خطت نصف الطريق، والله شهيد أن ملامتي لا تقع بشدتها على هذا الرجل. تقدمي أيتها الآنسة الجميلة. أمدركة أنت لمن من هؤلاء الجماعة الشرفاء يجب عليك الطاعة؟
ديدمونه :
يا والدي الشريف أجد هنا واجبا مقسوما. أنا مدينة لك بحياتي وتأديبي ومنهما أعرف قدر ما ينبغي لك علي من التجلة وما زلت خليقا بطاعتي لأنني لم أزل سليلتك. غير أن هذا الرجل قريني وإني لمقرة بين يديك أنني مدينة لهذا المغربي بمثل الطاعة التي كانت تلبيك بها أمي مؤثرة إياك على أبيها.
صفحه نامشخص