كارتباط الظل بالشاخص ما يفصلونه من المجمل في الشريعة فما فصل عالم ما أجمل في كلام من قبله من الأدوار إلا للنور المتصل به من الشارع صلى الله عليه وسلم فالمنة في ذلك حقيقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو صاحب الشرع لأنه هو الذي أعطى العلماء تلك المادة التي فصلوا بها ما أجمل في كلامه كما أن المنة بعده لكل دور على من تحته فلو قدر أن أهل دور تعدوا من فوقهم إلى الدور الذي قبله لانقطعت وصلتهم بالشارع ولم يهتدوا لإيضاح مشكل ولا تفصيل مجمل وتأمل يا أخي لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فصل بشريعته ما أجمل في القرآن لبقي القرآن على إجماله كما أن الأئمة المجتهدين لو لم يفصلوا ما أجمل في السنة لبقيت السنة على إجمالها وهكذا إلى عصرنا هذا فلولا أن حقيقة الاجمال سارية في العالم كله من العلماء ما شرحت الكتب ولا ترجمت من لسان إلى لسان ولا وضع العلماء على الشروح حواشي كالشروح للشروح فإن قلت فما الدليل على ما قلت من وجود الاجمال في الكتاب والتفصيل له في السنة قلنا قوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم لتبين للناس ما نزل إليهم فإن البيان وقع بعبارة أخرى غير عبارة الوحي الذي نزل عليه فلو أن علماء الأمة كانوا يستقلون بالبيان وتفصيل المجمل واستخراج الأحكام من القرآن لكان الحق تعالى اكتفى من رسوله صلى الله عليه وسلم بالتبليغ للوحي من غير أن يأمره ببيان * وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا رحمه الله يقول لولا بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجتهدين لنا ما أجمل في الكتاب والسنة لما قدر أحد منا على ذلك كما أن الشارع لولا بين لنا بسنته أحكام الطهارة ما اهتدينا لكيفيتها من القرآن ولا قدرنا على استخراجها منه وكذلك القول في بيان عدد ركعات الصلوات من فرض ونفل وكذلك القول في أحكام الصوم والحج والزكاة وكيفيتها وبيان أنصبتها وشروطها وبيان فرضها من سننها وكذلك القول في سائر الأحكام التي وردت مجملة في القرآن لولا أن السنة بينت لنا ذلك ما عرفناه ولله تعالى في ذلك حكم وأسرار يعرفها العارفون انتهى * قال سيدي علي الخواص رحمه الله تعالى ومن هنا تعلم يا ولدي إن السنة قاضية على ما نفهمه من أحكام الكتاب ولا عكس فإنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أبان لنا أحكام الكتاب بألفاظ شريعته وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وفي القرآن العظيم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول يعني إلى الكتاب والسنة واعملوا بما وافقهما أو وافق أحدهما عندكم انتهى وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى أيضا يقول لا يكمل مقام العالم عندنا في العلم حتى يرد سائر أقوال المجتهدين ومقلديهم في سائر الأدوار إلى الكتاب والسنة ولا يصير عنده جهل بمنزع قول واحد منها لو عرض عليه قال وهناك يخرج عن مقام العوام ويستحق التلقيب بالعالم وهو أول مرتبة تكون للعلماء بالله تعالى ثم يترقى أحدهم عن ذلك درجة بعد درجة حتى يصير يستخرج جميع أحكام القرآن وآدابه من سورة الفاتحة فإذا قرأ بها في صلاته ربما يكون ثوابه كثواب من قرأ القرآن كله من حيث إحاطته بمعانيه ثم يترقى من ذلك حتى يصير يخرج أحكام القرآن كله وأحكام الشريعة وجميع أقوال المجتهدين ومقلديهم إلى يوم القيامة من أي حرف شاء من حروف الهجاء ثم يترقى إلى ما هو أبلغ من
صفحه ۴۱