أكل الحرام وترك المعاصي وسلك بنفسه من غير شيخ فهل يصل إلى هذا المقام من الوقوف على العين الأولى للشريعة فالجواب لا يصح لعبد الوصول إلى المقامات العالية إلا بأحد أمرين إما بالجذب الإلهي وإما بالسلوك على يد الأشياخ الصادقين لما في أعمال العباد من العلل بل لو قدر زوال العلل من عبادته فلا يصح له الوصول إلى الوقوف على عين الشريعة لحبسه في دائرة التقليد لإمامه فلا يزال إمامه حاجبا له عن شهود عين الشريعة الأولى التي يشهدها إمامه لا يمكنه أن يتعداه ويشهدها إلا بالسلوك على يد شخص آخر فوقه في المقام من أكابر أئمة العارفين كما مر ومحال عليه أن يعتقد إن كل مجتهد مصيب إلا بالسلوك المذكور حتى يساويه في مقام الشهود فإن قلت فإذن من أشرف على عين الشريعة الأولى يشارك المجتهدين في الاغتراف من عين الشريعة وينفك عنه التقليد فالجواب نعم وهو كذلك فإنه ما ثم أحد حق له قدم الولاية المحمدية إلا ويصير يأخذ أحكام شرعه من حيث أخذها المجتهدون وينفك عنه التقليد لجميع العلماء إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن نقل عن أحد من الأولياء أنه كان شافعيا أو حنفيا مثلا فذلك قبل أن يصل إلى مقام الكمال * وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول لا يبلغ الولي مقام الكمال إلا أن صار يعرف جميع منازع جميع الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرف من أين أخذها الشارع من القرآن العظيم فإن الله تعالى قال ما فرطنا في الكتاب من شئ فجميع ما بينته الشريعة من الأحكام هو ظاهر المأخذ للولي الكامل من القرآن كما كان عليه الأئمة المجتهدون ولولا معرفتهم بذلك ما قدروا على استنباط الأحكام التي لم تصرح بها السنة قال وهي منقبة عظيمة للكامل حيث صار يشارك الشارع في معرفة منازع أقواله صورة من القرآن العظيم بحكم الإرث له صلى الله عليه وسلم انتهى فإن قلت فهل يجب على المحجوب عن الاطلاع على العين الأولى للشريعة التقيد بمذهب معين فالجواب نعم يجب عليه ذلك لئلا يضل في نفسه ويضل غيره فاعذر يا أخي المقلدين المحجوبين إذا انكشف حجابك في قولهم المصيب واحد ولعله إمامي والباقي مخطئ يحتمل الصواب في نفس الأمر في كل مسألة فيها خلاف ونزل قول كل من قال كل مجتهد مصيب على من انتهى سيره وخرج عن التقليد وشهد اغتراف العلماء كلهم علمهم من عين الشريعة ونزل قول كل من قال المصيب واحد لا بعينه والباقي مخطئ يحتمل الصواب على من لم ينته سيره ولا ترجح قولا منهما على الآخر واشكر ربك على ذلك والحمد لله رب العالمين * فعلم من جميع ما قررناه وجوب اتخاذ الشيخ لكل عالم طلب الوصول إلى شهود عين الشريعة الكبرى ولو أجمع جميع أقرانه على علمه وعمله وزهده وورعه ولقبوه بالقطبية الكبرى فإن لطريق القوم شروطا لا يعرفها إلا المحققون منهم دون الدخيل فيهم بالدعاوى والأوهام وربما كان من لقبوه بالقطبية لا يصلح أن يكون مريدا للقطب بل قال بعض المحققين إن القطب لا يحيط بمقامات نفسه فضلا عن غيره وذلك لأن صفات القطبية في العبودية تقابل صفات الربوبية فكما لا تنحصر صفات الربوبية كذلك لا تنحصر صفات العبودية انتهى والحمد لله رب العالمين
صفحه ۲۴