في حقه عزيمة بل أقول إن من الواجب على كل مقلد من طريق الإنصاف أن لا يعمل برخصة قال بها إمام مذهبه إلا إن كان من أهلها وأنه يجب عليه العمل بالعزيمة التي قال بها غير إمامه حيث قدر عليها لأن الحكم راجع إلى كلام الشارع بالأصالة لا إلى كلام غيره لا سيما إن كان دليل الغير أقوى خلاف ما عليه بعض المقلدين حتى أنه قال لي لو وجدت حديثا في البخاري ومسلم لم يأخذ به إمامي لا أعمل به وذلك جهل منه بالشريعة وأول من يتبرأ منه إمامه وكان من الواجب عليه حمل إمامه على أنه لم يظفر بذلك الحديث أو لم يصح عنده كما سيأتي إيضاحه في الفصول إن شاء الله تعالى إذ لم أظفر بحديث مما اتفق عليه الشيخان قال بضعفه أحد ممن يعتد بتضعيفه أبدا وفي كلام القوم لا ينبغي لأحد العمل بالقول المرجوح إلا إن كان أحوط في الدين من القول الأرجح كالقول بنقض الطهارة عند الشافعية بلمس الصغيرة والشعر والظفر فإن هذا القول وإن كان عندهم ضعيفا فهو أحوط في الدين فكان الوضوء منه أولى انتهى * وصاحب الذوق لهذه الميزان يرى جميع مذاهب الأئمة المجتهدين وأقوال مقلديهم كأنها شريعة واحدة لشخص واحد لكنها ذات مرتبتين كل من عمل بمرتبة منهما بشرطها أصاب كما سيأتي إيضاحه في الفصول إن شاء الله تعالى وقد اطلعني الله تعالى من طريق الالهام على دليل لقول الإمام داود الظاهري رضي الله عنه بنقض الطهارة بلمس الصغيرة التي لا تشتهي وهو أن الله تعالى أطلق اسم النساء على الأطفال في قوله تعالى في قصة فرعون يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ومعلوم أن فرعون إنما كان يستحيي الأنثى عقب ولادتها فكما أطلق الحق تعالى اسم النساء على الأنثى في قصة الذبح فكذلك يكون الحكم في قوله تعالى أو لامستم النساء بالقياس على حد سواء وهو استنباط حسن لم أجده لغيري فإنه يجعل علة النقض الأنوثة من حيث هي بقطع النظر عن كونها تشتهي أو لا تشتهي فقس عليه يا أخي كلما لم تطلع له من كلام الأئمة على دليل صريح في الكتاب أو السنة وإياك أن ترد كلام أحد من الأئمة أو تضعفه بفهمك فإن فهمك إذا قرن بفهم أحد من الأئمة المجتهدين كان كالهباء والله أعلم * (فصل) * فإن قال قائل فهل يجب عندكم على المقلد العمل بالأرجح من القولين أو الوجهين في مذهبه ما دام لم يصل إلى معرفة هذه الميزان من طريق الذوق والكشف * فالجواب نعم يجب عليه ذلك ما دام لم يصل إلى مقام الذوق لهذه الميزان كما عليه عمل الناس في كل عصر بخلاف ما إذا وصل إلى مقام الذوق لهذه الميزان المذكورة ورأى جميع أقوال العلماء وبحور علومهم تتفجر من عين الشريعة الأولى تبتدئ منها وتنتهي إليها كما سيأتي بيانه في فصل الأمثلة المحسوسة لاتصال أقوال العلماء كلهم بعين الشريعة الكبرى في مشهد صاحب هذا المقام فإن من اطلع على ذلك من طريق كشفه رأى جميع المذاهب وأقوال علمائها متصلة بعين الشريعة وشارعة إليها كاتصال الكف بالأصابع والظل بالشاخص ومثل هذا لا يؤمر بالتعبد بمذهب معين لشهوده تساوي المذاهب في الأخذ من عين الشريعة وأنه ليس مذهب أولى بالشريعة من مذهب
صفحه ۱۲