Critiquing the Foundations of the Rationalists
نقض أصول العقلانيين
ناشر
دار علوم السنة
ژانرها
والشارع يحرم الدليل لكونه كذبًا في نفسه، مثل أن تكون إحدى مقدماته باطلة، فإنه كذب، والله يحرم الكذب، لا سيما عليه، كقوله تعالى: (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه) ويحرمه لكون المتكلم به يتكلم بلا علم، كما قال تعالى: (ولا تقفُ ما ليس لك به علم) وقوله تعالى: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) وقوله: (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علم) ويحرمه لكون جدالًا في الحق بعد ما تبين، كقوله تعالى: (يجادلونك في الحق بعدما تبين) وقوله تعالى: (ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق) .
وحينئذ فالدليل الشرعي لا يجوز أن يعارضه دليل غير شرعي، ويكون مقدمًا عليه، بل هذا بمنزلة من يقول: إن البدعة التي لم يشرعها الله تعالى تكون مقدمة على الشرعة التي أمر الله بها، أو يقول: الكذب مقدم على الصدق، أو يقول: خبر غير النبي ﷺ يكون مقدمًا على خبر النبي- ﷺ، أو يقول: ما نهى الله عنه يكون خيرًا مما أمر الله به، ونحو ذلك، وهذا كله ممتنع.
وأما الدليل الذي يكون عقليًا أو سمعيًا من غير أن يكون شرعيًا، فقد يكون راجحًا تارة ومرجوحًا أخرى، كما أنه قد يكون دليلًا صحيحًا تارة، ويكون شبهة فاسدة أخرى، فما جاءت به الرسل عن الله تعالى إخبارًا أو أمرًا لا يجوز أن يعارض بشيء من الأشياء، وأما ما يقوله الناس فقد يعارض بنظيره، إذ قد يكون حقًا تارة باطلًا أخرى، وهذا مما لا ريب فيه، لكن من الناس من يدخل في الأدلة الشرعية ما ليس منها، كما أن منهم من يخرج منها ما هو داخل فيها، والكلام هنا على جنس الأدلة، لا على أعيانها.
4 / 33