کوپرنیکوس، داروین و فروید: انقلاب‌ها در تاریخ و فلسفه علم

احمد شکل d. 1450 AH
112

کوپرنیکوس، داروین و فروید: انقلاب‌ها در تاریخ و فلسفه علم

كوبرنيكوس وداروين وفرويد: ثورات في تاريخ وفلسفة العلم

ژانرها

كان لامارك أيضا معتنقا متشددا لمبدأ المادية. والمادية لها العديد من الدلالات، وتعبر في هذا السياق عن الاعتقاد بأن كل ظواهر الحياة العضوية يمكن تفسيرها باللجوء لأسباب ميكانيكية. وهذا يشمل القدرات العقلية العليا لدى البشر. لم يكن كانط معتنقا للمادية، بل إنه شكك في أن اليرقة يمكن تفسيرها ميكانيكيا، لكن المذهب كان له باع طويل في فرنسا (دي هولباخ، هلفتيوس، لا متري)، وقد أدى إلى صورة الإنسان كآلة التي ذكرها في كتابه «الإنسان آلة»؛ فبالنسبة لمعتنق المادية، القدرات العقلية والوعي ليسا سوى تعبير عن حالات دماغية.

سنرى أن المادية كانت أحد الاعتراضات الفلسفية الرئيسية ضد نظرية داروين. وكما سيكتشف الداروينيون، فإن التحدي الأكبر أمام المادية هو تفسير ظواهر العقل والوعي.

من التأثيرات المؤسفة للثورات العلمية أن الأفكار المؤدية لها تتلقى فضلا قليلا للغاية من جيل ما بعد الثورة. مع ذلك، فإننا نتعلم من أخطائنا، كما أشار بوبر بإصرار. فحتى الأخطاء تساهم في التقدم العلمي. ألقت تحولية لامارك على ثبات الأنواع حملا ثقيلا من الشكوك. وكانت ماديته محاولة أولى للتغلب على ثنائية كانط التفسيرية. مع ذلك، تبين أن تحولية لامارك نموذج غير كاف؛ فالوراثة فوق الجينية لا وجود لها، ولا التعديل التدريجي. ظلت تحولية لامارك في حاجة إلى أسس تجريبية. وكما حدث في حالة مركزية الأرض، أنقذت التحولية الظواهر، كما واجهت مسألة الواقع. يحدث في العلم أن تبحث الحقائق عن نظرية. عندما توفي لامارك، كان لا يزال يوجد الكثير من الأفكار البيولوجية الباحثة عن دعم الأدلة. في إنجلترا، أعلن إراسموس داروين - جد تشارلز - والمؤلف المجهول لكتاب «الآثار الباقية للتاريخ الطبيعي للخلق» (1844) روبرت تشامبرز أفكارهما التطورية. وفي فرنسا، استبق إيزيدور جوفري سانت هيلير اتحاد التجريبية والعقلانية في دراسة الطبيعة العضوية، التي تبناها لاحقا هيكل. ودافع عن تحولية لامارك ضد إصرار كوفييه بشأن ثبات الأنواع، ولكنه صحح تركيز لامارك الشديد على التغير من خلال استخدام الأعضاء؛ فكان ينبغي وضع المناخ بعين الاعتبار (جوفري سانت هيلير 1847؛ انظر جرين 1980، 300-301). وبينما اكتشف علم التشريح وعلم الأجنة والجيولوجيا وعلم الحفريات حقائق جديدة، بدأت هذه التكهنات النظرية تغرس جذورها في أرض صلبة. (3) اكتشافات الحفريات

عندما تتنافس مجموعة نماذج على تفسير الظواهر المرصودة، يحاول كل نموذج التوافق مع الحقائق المتاحة. ولا تأتي الحقائق مرتبطة على نحو جاهز بالنموذج التفسيري الصحيح؛ فالحقائق تحتاج إلى تأويل. وتعمل النماذج على وضعها في نظام متسق. وعندما تكون الحقائق قليلة ومتباعدة، يكون من السهل على النماذج المتنافسة ادعاء نجاح التوافق. كانت هذه هي الحال بين نظريتي مركزية الأرض ومركزية الشمس لما يربو عن خمسين عاما، ولكن في نهاية المطاف تظهر حقائق جديدة تتوافق مع أحد النماذج على نحو أفضل من غيره. وستمنح الحقائق القديمة والجديدة مزيدا من المصداقية لأحد النماذج أكثر من غيره. ربما لا تكون هذه نهاية النموذج الذي فقد مصداقيته، لا سيما عندما تحدث تطورات نظرية جديدة. مع ذلك، يحظى النموذج المنتصر بكثير من الاهتمام لفترة من الوقت. لقد رأينا أن مركزية الأرض لم تمت موتا مفاجئا، ولكن جعلت مشاهدات براهي وقوانين كبلر واكتشافات جاليليو حياتها غير مريحة على نحو أكبر. ونشهد في علم الأحياء التطوري صراعا مشابها بين وجهة النظر الغائية القديمة ووجهة النظر الميكانيكية الناشئة. فلا يمكن أن يكون النظام الشمسي أرضي المركز وشمسي المركز في الوقت نفسه، ولا يمكن أن تكون الحياة العضوية ناتجة عن تصميم معين وصدفة «عبثية» في الوقت نفسه. إذا كان النظام الكوكبي شمسي المركز حقا، فإن النموذج الشمسي المركز سيكون أكثر ملاءمة معرفيا من النموذج الأرضي المركز. ولو كانت الطبيعة العضوية برمتها تشكلت في غياب التصميم، فإن النموذج الآلي سيكون أكثر ملاءمة معرفيا من النموذج الغائي. ولو كانت الكواكب تدور حول الشمس وتطورت الكائنات المعقدة، فلا بد من وجود حقائق تشهد على هذه السمات. وهذه الحقائق ستتوافق مع مخطط تفسيري ما بشكل أفضل من غيره. في خلال الخمسين عاما بين صدور كتاب لامارك «فلسفة علم الحيوان» (1809) وكتاب داروين «أصل الأنواع» (1859) ظهرت اكتشافات جديدة في مختلف المجالات. في الجيولوجيا - على سبيل المثال - زيد عمر الأرض تدريجيا من عمر ستة آلاف سنة القليل المذكور في الكتاب المقدس إلى ملايين وملايين السنين من التطور الكوني الذي ذكره كانط. فقد اكتشف أن الطبقات الصخرية تحتوي على تدرج زمني مخفي. وكلما كانت الطبقات أعمق، زاد عمر الصخور. في علم الحفريات، أضافت اكتشافات الحفريات إلى التسلسل الزمني للأرض. فحفريات الحيوانات المنقرضة وحفريات أشكال الحياة غير المعروفة كشفت عالم أحياء العصور القديمة. على سبيل المثال، أصبح الكائن القديم أركيوبتركس - الذي كان وسيطا بين الديناصورات والطيور - موضع مناقشات مكثفة. اكتشفت رتبة الزواحف تلك في أوائل القرن التاسع عشر، ولكن بدأ فهمها على نحو صحيح في ستينيات القرن التاسع عشر فقط. ولم يبدأ استخراج الهياكل العظمية لأنواع مختلفة من الديناصورات مثل إجوانودون إلا على يد أوثنيل تشارلز مارش في عام 1881. ونشرت مجلة نيتشر رسوما توضيحية رائعة لأشكال الحياة القديمة تلك (شكل

2-2 ). وجدت اعتراضات فولتير على «سلسلة الوجود العظمى» في نهاية المطاف دعما من البيانات التجريبية الملموسة؛ إذ أظهر التشريح المقارن التشابه التشريحي الوثيق بين البشر والقردة، وكشف علم الأجنة تشابها مثيرا للدهشة بين أجنة الأنواع المختلفة في المراحل الأولى من النمو (شكل

2-3 ).

شكل 2-2: إجوانودون (المصدر: نيتشر 55 (189)، 463).

شكل 2-3: مقارنة الأجنة (من اليسار إلى اليمين). في الأعلى: الكلب (4 أسابيع)؛ الإنسان (4 أسابيع). في الأسفل: الكلب (6 أسابيع)؛ الإنسان (8 أسابيع). (المصدر: هيكل (1876)، المجلد الأول، 306-307).

بما أننا مهتمون على نحو خاص بالنتائج الفلسفية للنظريات العلمية، سنركز على اكتشافات الحفريات البشرية وما تعنيه لعصور البشرية القديمة. حدث بعض هذه الاكتشافات قبل نشر داروين لكتابه «أصل الأنواع». ينبغي أن نلاحظ أن مسألة ظهور البشر مستقلة عن مسألة تحدر الإنسان من القردة الشبيهة بالإنسان. إن النقاش حول العصور القديمة للبشرية متوافق مع نظرية الخلق الخاص؛ فمن الممكن إعادة تأويل التزام الكتاب المقدس بستة آلاف سنة من الوجود الإنساني بأنه أمر مجازي فحسب، ولكن نظرية تحدر الإنسان من القردة الشبيهة بالإنسان تتنافى مع عقيدة الخلق الخاص للبشر. عندما يجمع هذان السؤالان الخاصان بالعصور القديمة والأصل معا، فإنهما يشكلان الخليط المتفجر الذي صدم العامة بعد وقت قصير من نشر كتاب داروين؛ إذ إن المزيج يجعل البشر عرضة للانتقاء الطبيعي كما هي حال الأعشاب واليرقات عند كانط. وبمجرد أن أصبحت صيغة التطور لداروين - المدعومة بالانتقاء الطبيعي - متاحة كحل لمسألة الأنواع، صار لها منطق خاص بها. وسارع معاصرو داروين إلى بسط نموذج داروين التطوري من النباتات والحيوانات إلى عالم الإنسان. (3-1) العظام والهياكل العظمية

لا وجود لحفريات بشرية. (كوفييه، «وجهات نظر من عالم ما قبل التاريخ» (1822)، 101، مقتبسة في رول، «الإنسان» (1870)، 265)

صفحه نامشخص