وما الحسب الموروث لا درّ درّه ... بمحتسب إلاّ بآخر مكتسب
إذا العود لم يثمر وإن كان شعبة ... من المثمرات اعتدّه الناس في الحطب
وقال آخر:
وما فخري بمجد قام غيري ... إليه وقد رقدت الليل عنّه
إلى حسب الفتى في نفسه انظر ... ولا تنظر هديت إلى ابن من هو
وقال آخر:
إذا فخرت بآبائي وأجدادي ... فقد حكمت على نفسي لأضدادي
هل نافعي إنّ سعي جدّي لمكرمة ... ونمت عن أختها في جانب الوادي
وقال آخر:
أيقنعني كوني ابن من كوني ابنه ... أبى لي أن أرضى لفخري بمجده
إذا المرء لم يحو العلاء بنفسه ... فليس بحاو للعلاء بجدّه
وهل يقطع السيف الحسام بأصله ... إذا هو لم يقطع بصارم حدّه
ويقال لمن يفخر بغير أولية كانت له "خارجي"، قال كثير العبد العزيز:
أبا مروان لست بخارجي ... وليس قديم مجدك بانتحال
وأمّا بيته: فأقول إنّه نشأ في بيت رفعت يد العزّ على أوّل الدهر قواعده، وطهرت للطائفين والعاكفين محاريبه ومساجده، ووقّرت الهيبة مجلسه، وزهرت به بشاشته المؤنسه، فلا ينطق نديّه العوراء، ولا تمرّ بأطراف سماطه البذائة والفحشاء، ومن كان له هذا البيت صدق فيه بيت الأرجاني:
وأحسن حلية بيت حديث ... يصاغ لمن له بيت قديم
بيتٌ هو معرس السفر، ومغرس الحمد والشكر، ومجتمع الرغائب، ومنتجع المواهب.
بيت مجد إن حوى شكر الورى ... فعلى معروفه كانوا عيالا
لم يكن للجود إلاّ مطلعًا ... يملأ العين هلالًا فهلالا
ولقد أجاد الإفتخار في بيته الفرزدق بن غالب وذلك حيث قال:
إنّ الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتًا دعائمه أعزّ وأطول
بيتًا زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبوالفوارس نهشل
حدّث سلمة بن عياض مولى بني عامر بن لوي قال: دخلت على الفرزدق السجن وهو محبوس وقد قال قصيدته التي منها:
إنّ الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتًا دعائمه أعزّ وأطول
بيتًا بناه لنا المليك وما بنى ... ملك السماء فانّه لا ينقل
وقد أُفحم، فقلت: ألا أرفدك؟ فقال: وهل عندك ذاك؟ قلت: نعم، ثمّ قلت:
بيتًا زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبوالفوارس نهشل
فاستجاد البيت وغاظه قولي، فقال لي: ممّن أنت؟ فقلت: من قريش، قال: من أيّها؟ قلت: من بني عامر بن لوي، فقال: لئام والله وضيعة جاورتهم بالمدينة فما أحمدتهم، فقلت: ألأم والله منهم وأوضع قومك، جائك رسول مالك بن المنذر وأنت سيّدهم وشاعرهم فأخذ بأُذنك يقودك حتّى حبسك فما اعترضه أحد ولا نصرك، فقال: قاتلك الله ما أمكرك، وأخذ البيت وأدخله في قصيدته.
وحدّث أبو مالك الرواية قال: سمعت الفرزدق يقول: أبق غلامان لرجل منّا يقال له النضر، فحدّثني قال: خرجت في طلبهما وأنا على ناقة لي عيساء كوماء أُريد اليمامة، فلمّا صرت في ماء لبني حنيفة يقال له الصرصران، ارتفعت سحابة فأرعدت وأبرقت وأرخت عزاليها، فعدلت إلى بعض ديارهم وسألت القرى، فأجابوا، فدخلت دارًا لهم وأنخت راحلتي وجلست تحت ظلّة لهم من جريد النخل، وفي الدار لهم جويرية سوداء إذ دخلت جارية كأنّها سبيكة فضّة وكأنّ عينيها كوكبان درّيّان، فسألت الجارية: لمن هذه العيساء - تعني ناقتي -؟ فقيل: لضيفكم هذا، فعدلت إليّ وسلّمت عَلَيّ، فرددت ﵍، فقالت: ممّن الرجل؟ فقلت: من بني حنظلة، فقالت: من أيّهم؟ فقلت: من بني نهشل، فتبسّمت وقالت: أنت إذًا ممّن عناه الفرزدق بقوله، وذكرت الأبيات السابقة، قال: فقلت: نعم جعلت فداك وأعجبني ما سمعت منها، فضحكت وقالت: فإنّ ابن الخطفي قد هدم عليكم بيتكم هذا الذي قد فخرتم به وذلك حيث يقول:
أخزى الذي رفع السماء مجاشعًا ... وبنى بناءً بالحضيض الأسفل
بيتًا يحمّم قينكم بفنائه ... دنسًا مقاعده خبيث المدخل
قال: فوجمت، فلمّا رأت ذلك في وجهي قالت: لا بأس عليك فإنّ الناس يقال فيهم ويقولون، ثمّ ساقت حديث اليمامة وقصّة ابن عمّها عمرو بن كعب بن عمرو بن محرق بن النعمان بن المنذر بن ماء السماء.
رجع إلى ما كنّا فيه: قال بعضهم وأحسن كلّ الإحسان بقوله مفتخرًا:
1 / 8