قال هذا في تتميمه: وفي رواية أُخرى: أمّا إنّها من نسوة فعُّل، قال ذلك لأنّها كانت من قوم الربيع فنسبها إلى القبيح وصدّقه عليها تهجينًا له ولقومه، فأمر الملك بهم جميعًا فأُخرجوا وأعاد على أبي البراء ألقبه، وانصرف الربيع إلى منزله، فبعث إليه النعمان بضعف ما كان يحبوه وأمره بالإنصراف إلى أهله، فكتب: إنّي تخوّفت أن يكون قد وقع في صدرك ما قال لبيد ولست برائم حتّى تبعث إليّ من يجرّدني ليعلم من حضرك من الناس أنّي لست كما قال، فأرسل إليه: إنّك لست صانعًا فانتفائك ممّا قال لبيد شيئًا ولا قادرًا على ردّ ما زلّت به الألسن فالحق بأهلك، ثمّ كتب إليه النعمان في جملة أبيات جوابًا عن أبيات كتبها إليه الربيع:
قد قيل ذلك إن حقًّا وإن كذبًا ... فما اعتذارك من قول إذا قيلا
ويقال: إنّ حجّاج بن يوسف الثقفي بينما هو جالس في القبّة الخضراء وعنده وجوه أهل العراق وقد حفّت به الوزراء إذ دخل عليه غلام له من العمر عشر سنين، فقال بعد أن نظر في القبّة يمينًا وشمالًا: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيع آيَةً تُعْبَثُون، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُون، وَإذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارين) وكان الحجّاج متّكئًا فاستوى جالسًا وقال: يا غلام إنّي لأرى لك عقلًا وذهنًا، أفحفظت القرآن؟ قال: أوخفت على القرآن الضياع حتّى أحفظه؟ قال: أفجمعت القرآن؟ قال: أوكان متفرّقًا حتّى أجمعه؟ قال: أفأحكمت القرآن؟ قال: أوليس الله أنزله محكمًا. قال الحجّاج: أو استظهرت القرآن؟ قال: معاذ الله أن أجعل القرآن وراء ظهري، قال: ويلك ماذا أقول لك؟ قال: بل لك الويل، قل أوعيت القرآن في صدرك؟ قال الحجّاج: فاقرأ لي شيئًا من القرآن، فاستفتح الغلام يقول: أعوذ بالله منك ومن الشيطان الرّجيم (إذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْح، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يخرجون مِنْ دِينِ اللهِ أفْواجا) فقال الحجّاج: ويلك إنّه يدخلون في دين الله، فقال الغلام: نعم كانوا يدخلون وأمّا اليوم فيخرجون، قال: ولِمَ ذلك؟ قال: لسوء رأيك فيهم، قال: ويلك هل عرفت المخاطب لك؟ قال: نعم شيطان ثقيف الحجّاج، قال له: ويلك مَن أبوك؟ قال: الذي زرعني، قال: فمن أُمّك؟ قال: التي ولدتني، قال: وأين وُلِدتَ؟ قال: في بعض الفلوات، قال: فأين نُشِأتَ؟ قال: في بعض البراري، قال: ويلك أمجنون أنت فأُعالجك؟ قال: لو كنت مجنونًا ما وصلت إليك ووقفت بين يديك كأنّي فيمن يرجوا فضلك ويخاف عقابك.
1 / 24