دبيب الاجل الى الامل فلما شاهدوا الويل سالت عبراتهم كالسيل وأخذوا في الاستغفار والاستحلال وشرعوا في التضرع والابتهال وطلبوا من الله الخلاص واجتهدوا في طريق المناص الا ان ارادة الجبار ساقت المركب نحو التيار فلم يمكن لذلك الفوج الا الدخول في الموج :
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
فلما انصب الماء عليهم وانقض تلو قوله تعالى {ظلمات بعضها فوق بعض} ولما ارتفعت تلك الطامة وفتح اعينهم الخاصة والعامة تفقد كل امرئ صاحبه ورفيقه ومصاحبه فاذا المرحوم وفرقة من رفقته وارباب صحبته فقدوا ولم ير لهم اثر ولم يسمع عنهم خبر :
كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا
انيس ولم يسمر بمكة سامر
وحكي انه كان رحمه الله قاعدا في كوثل السفينة مع سبعة عشر نفرا من اصحابه وخلاصة احزابه فلما غشيهم من اليم ما غشيهم واحاطهم ذلك الموج الكبير رمى بالكوثل الى البحر مع من به من الكبير والصغير وكان المرحوم يقرأ القرآن ويسأل الفرج من الملك الرحمن فما غرق الا والمصحف على صدره اغرقهم الله في بحار رحمته وجمع شملهم في حدائق جنته وحلول الباس بهذه الفئة سنة تسع وستين وتسعمائة وقد مضى من عمره خمسون سنة وكان رحمه الله من فحول عصره واكابر دهره صاحب تحقيق وتدقيق وتوفيق وتلفيق قوي الجنان نافذ الكلام يلوح من جبينه آثار الفوز والسعادة يصرف اكثر اوقاته في مطالعة الكتب والعبادة وكان في طريق الحق من السيوف الصوارم لا يخاف في الله لومة لائم وكان ينظم الشعر المحكم المشتمل على نبذ من الحكم وقد ظفرت بهذه الابيات الخليقة بالاثبات وقد قالها قبل موته بايام على ما نقله بعض الاعلام :
ايا طالبا مالا وتزعم مالكا
فما لك تدعو للعواري بمالكا
قم واشتغل كسب الكمال فانه
كمالك عند الله ليس كمالكا
وناج بذكر الله انك باسمه
لناج من الاحزان في كل حالكا
الهي ومولائي علمتك محسنا
جميلا فجاملني بنور جمالكا
صفحه ۳۵۱