الاشهاد فلما جاوز الضرب الحد أمر بنعيه عن البلد فارتحل وراية عزه منكوسة الى دار الملك بروسه ورجع بخفي حنين وأقام بها مدة سنتين لا أنيس له الا البعد والفراق وأيامه في الظلمة كليلة المحاق :
الدهر دولاب يدور
فيه السرور مع الشرور
بينا الفتى فوق السما
وإذا به تحت الصخور
ثم رضي عنه السلطان فاعطاه ثانيا احدى المدارس الثمان ثم نقل الى احدى المدارس السلطانية المعروفة عند الناس بالسليمانية ثم نقل من تلك العامرة الى قضاء القاهرة فلما عزم على السفر رأى مؤنة البر أكبر فقصد البحر في غير اوانه في زمن عتوه وطغيانه كيف لا وقد
أدبر الربيع وأقبل الشتاء والقت وشاة الثلوج والامطار برودة بين الارض والسماء ولبس السحاب فروة السنجاب وعرض اقطان الثلج قوس السحاب على الحلج وكم ناصح بذل جهده واستفرغ في نصحه مجهوده ورب حازم نصيح عرض عليه الرأي الصحيح الا ان سبق الكتاب اغفله عن طريق الصواب :
اذا انعكس الزمان على لبيب
يحسن رأيه ما كان قبحا
يعاني كل امر ليس يعنى
ويفسد ما رآه الناس صلحا
فلم يلتفت الى كلام وملام قائلا لا تكترثوا بشأن الشتاء فانما هو برد وسلام مركب البحر وأصحابه يمنعون تاليا قوله تعالى اذا جاء اجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فلما انفصل من جزيرة رودس هبت الرياح العاصفة واومضت البروق الخاطفة واظلمت السماء وطفت كرة الماء واضطرب البحر وماج وارتفعت الامواج وتواتر تواتر الكتائب وهجمت هجوم العدا على المراكب وظهر في ظهر البحر اودية وجبال وانجاد شاهقة وتلال فلما شاهدوا هذه الاحوال غابت الشمس في الحال وعزمت على العروج والتحصن بالبروج واصفرت وجنة القمر من خوف الهلاك وتشبث بذيل الافلاك وأقبل عليهم الليل وأنذرهم بالشدة والويل والسفينة بين الصعود والهبوط واهلها غارقون في بحر اليأس والقنوط واذا موج عظيم كالجبل يدب نحوهم
صفحه ۳۵۰