ولقد تبسم الحظ للعيني بعد تولي الظاهر ططر للسلطة سنة ٨٢٤ هـ / ١٤٢٠ م، فقد كانت تربط بينهما علاقة حميمة، فألف العيني له كتاب "الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر"، و"القدوري" في فقه الحنفية، وترجمة للغة التركية بناء على أمر ططر (^١).
ولما تولى الأشرف برسباي حكم مصر في ربيع الأول سنة ٨٢٥ هـ / ١٤٢٢ م، قَرَّب العيني منه، وأسند إليه حسبة القاهرة ومصر، فضلًا عن النظر في الأحكام الشرعية وبذلك اتسعت سلطات العيني، إلا أنه واجه في عام ٨٢٨ هـ / ١٤٢٤ م ثورة من العامة الجياع؛ بسبب نقص الخبز في الأسواق، وقد شَهَّر المقريزي، وابن حجر بهذا الأمر لمنافستهما للعيني (^٢)، ولكن العينى ظل في الحسبة حتى المحرم سنة ٨٢٩ هـ / ١٤٢٥ م وتولاها بعده الأمير أينال الششماني (^٣)، فانهارت الحياة الاقتصادية في عهده (^٤).
وقد عرف السلطان قدرات العيني العلمية والإدارية والفقهية، فأراد أن يستثمرها في أفضل عمل، ومن ثم أوكل إليه منصب قاضي القضاة، وهو أرفع المناصب الدينية في البلاد، وكان العيني مثالًا للقاضى المؤمن برسالته، لا تأخذه في الحق لومة لائم، يؤكد هذا قول الأشرف برسباى لأمرائه وأعوانه "لولا العيني ما كنا مسلمين" (^٥).
وبالرغم من معرفة الحكام لقدر العيني فإن بعضهم وقع تحت تأثير الحاقدين والحساد له، فعزل العيني عن القضاء، وتولي بدلا منه عبد الرحمن التفهني في صفر سنة ٨٣٣ هـ / ١٤٢٩ م، وكلف العيني بتولي الحسبة إضافة لما بيده من الأحباس، وكان ذلك في الرابع من ربيع الآخر سنة ٨٣٣ هـ / ١٤٢٩ م (^٦).
وفضلًا عما سبق قام العيني بدور المستشار الخاص للشئون السياسية والثقافية والدينية والتعليمية للسلطان برسباي؛ إذ كان يقوم نيابة عنه باستقبال بعض الوفود (^٧)، كما كان يقرأ الرسائل الواردة له من الدول والولايات المجاورة، بالإضافة إلى قيامه بدور المترجم للسلطان، من العربية إلى التركية وبالعكس.
_________
(^١) السخاوي: الذيل على رفع الإصر، ص ٤٣٤؛ السخاوي: الضوء اللامع، ج ١٠، ص ١٣٢ - ١٣٣.
(^٢) ابن تغرى بردي: النجوم الزاهرة، ج ١٤، ص ٢٨٢.
(^٣) الصيرفي: نزهة النفوس والأبدان، ج ٣، ص ٩٩.
(^٤) المقريزي: الخطط، ج ٤، ص ٧١٠.
(^٥) ابن تغرى بردي: المنهل الصافى، ج ٥، ص ٣٤٣.
(^٦) ابن تغرى بردي: المنهل الصافى، ج ٥، ص ٣٤٣؛ ابن حجر: إنباء الغمر، ج ٣، ص ٤٣٥.
(^٧) ابن حجر: إنباء الغمر، ج ٢، ص ٤٦٠.
1 / 23