فالجواب عليه: أن معرفة الحق من السمع متوقف على النظر في صحته
وصحة النظر متوقفة على السمع فلزم الدور وهو باطل مع أنا لا نمنع حصول المعرفة من دون نظر ففضل الله واسع ولا يعجزه شيء فقد يلهم بعض عباده المعرفة وما ذلك على الله بعزيز، وتفصيل البحث في مواضعه وسيأتي مزيد بيان.
[أفعال العباد والكسب والاختيار]
[ابن الوزير] قال رحمه الله : الوهم الثالث عشر: أراد المعترض أن يحتج على أن الأشعرية وأهل الحديث كفار تصريح لإنكارهم ما هو معلوم ضرورة من الدين ذكر أشياء منها زعم أنهم ينكرون أن لنا أفعالا وتصرفات.
والجواب: إن هذا مجرد دعوى عليهم من غير بينة بل بهت لهم ومصادمة لنصوصهم...إلى أن قال: الفرقة الأولى منهم هم الجبرية الخلص وهم الذين يقولون: لا تأثير لقدرة العبد في الفعل ولا في صفة من صفاته بل الله يخلق الفعل بقدرته ويخلق للعبد قدرة متعلقة بفعله مقارنة في حدوثها لحدوثها غير متقدمة عليه ولا مؤثرة فيه البتة، وهذا قول الأشعري وأتباعه وجماهير المحققين من المتأخرين على خلاف هذا. ا ه.
واحتج لهم بكلام الرازي أن لنا أفعالا أوجبها الداعي ولكن بعد إقراره بما سمعت من حكايته عنهم فلا محيص من الجبر وإن تلون أي تلون، هذا وذكر الباقلاني وجعله فرقة ثانية وقال: إنهم أهل الكسب.
قال: ومعنى الكسب عندهم أن قدرة الله مستقلة بإيجاد ذوات العباد التي لا توصف بحسن ولا قبح ولا يستحق عليها ثواب ولا عقاب، وقدرة العبد مستقلة بصفات تلك الأفعال التي توجب وصفها بالحسن والقبيح ويستحق عليها الثواب والعقاب، مثال ذلك أن أصل الحركة عندهم من الله وأما كون تلك الحركة متصفة بصفة مخصوصة مثل كونها صلاة أو زنا فذلك أثر قدرة العبد. ا ه.
صفحه ۹۹