وأما قوله : إنه لا يغفر إلا ما وجب عليه غفرانه فإنما أراد بذلك تهجين كلام العدلية إما جهلا لمعنى لفظ الوجوب عندهم أو تعسفا، أما معنى الوجوب عندهم فقد بينه المنصور بالله عليه السلام في (الشافي) بما معناه: إن معنى الإيجاب على الله تعالى الإخبار بواجب حكمته، بمعنى أن الحكمة تقتضي ذلك لا الإيجاب الذي هو الإلزام؛ لأنه متفرع على علو منزلة الموجب على الموجب عليه. ا ه.
وقد ورد الشرع بذلك، قال تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}[الأنفال:33] وما روى معاذ عن النبي صلى الله عليه وآله: ((إن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، يا معاذ، هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ألا يعذبهم)). أخرجه الشيخان في صحيحيهما، وقد ورد في الحديث: ((إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراما)) أخرجه مسلم في صحيحه، لكن ابن تيمية مسخ معنى الحديث فقال في شرحه ما معناه: إنه لا يسمى فعله تعالى ظلما؛ لأنه قبيح والله يتعالى عنه ولو فعل ما فعل؛ لأنه تصرف في ملكه، وغفل أنه قد حرم الظلم على نفسه وقال: {وما أنا بظلام للعبيد}[ق:29] فلو لم يكن تعالى قادرا عليه ويتناول أفعاله لما سماه ظلما وحرمه على نفسه.
[ابن الوزير] قال: لأن الفعل ليس بظلم وإنما هو من جهة الفاعل بمعنى تصور كونه ظلما؛ لأن الفاعل الله تعالى وذلك رد إلى أنه لا يكون الظلم إلا الاعتبار الذي بمعنى الكسب وتعجيز الله عن أن يعتبر فعله وليس أنه معتبر باعتبار حادث، فتأمل لدق المأخذ.
صفحه ۹۷