حتى إذا ما بلغهم خبر جوقزين وانتصار سوبيسكي فيها هبوا كأنهم كانوا في قيود وانطلقوا، فكانت أصواتهم بالغة عنان السماء، ولا غرو فإنهم انتصروا على الأتراك خير أمة حربية أخرجت للناس.
ومن ثم وصلهم خبر لمبرج فزادهم سرورا على سرور، وصار ليل بولاندا نهارا، والاحتفالات آخذة مجراها، والشعب قد نسى إساءات نبلائه فاحتفل معهم بالانتصار.
وكيف لا ينسى في ذلك الوقت وهو زمن الفرح، زمن سرور الأمة.
ولكن في وسط تلك الاحتفالات اعتلت صحة ميخائيل مليك بولاندا وأميرها، وكانت صحته كل يوم تنتقل من سيئ إلى أسوأ، وكان الأمل في شفائه قليلا جدا.
فكان البلاط مقر النبلاء كل يوم، والأطباء من كل جانب، كل يسعى جهده ليخفف آلامه.
والمقربون منه يقولون: «أفي ساعة السرور والنصر تعتل صحة المليك؟» ولكن الشعب كان لا يهمه؛ مات الملك أو عاش، فإنه لم ينس أنه الرأس المدبرة، وأن النبلاء إنما كانوا اليد المحركة لإساءته؛ فلم يعبؤوا بمرضه أو موته.
بخلاف ذلك: إذا كان الملك مراعيا خير شعبه ودولته؛ فإنه إذا اعتل لبست الأمة عليه ثياب الحداد، وتكدرت من طفلها إلى شيخها، ولا غرو فإن الرأس الصالحة إن مرضت مرض باقي الجسم.
أصيب ميخائيل بفالج عجز نطسة الأطباء عن مداواته، فكان هناك سؤال يدور في خلد جميع النبلاء، «وهو» من سيخلفه على عرش بولاندا ولا وريث له؟ إن الديت إذا اجتمع فلا بد أنهم ينتخبون سوبيسكي.
وهكذا أتى اليوم السادس من شهر فبراير سنة 1676، ومات ميخائيل، فاحتفلت بجنازته؛ حيث دفن باحتفال لائق لمليك مثله.
ولكن تلك الحفلات التي قامت كان الشعب لا يشاركه فيها، فكانت حفلات خالية من الروح الوطنية، والأسف العام.
صفحه نامشخص