وأسقط في يد العلام، بدا منظره أكثر غربة من الهلالية ذاتهم في حضرة حاكم تونس الزناتي، فراحت كل من عزيزة وسعدى تكيل له النظرات المشحونة بكل كره وعداء واستنكار لتصرفاته العدوانية المبددة لأي لحظة فرح . - شيطان رجيم!
وحاول العلام أكثر من مرة الاقتراب من الزناتي وتبصيره بما يحدث خلسة: متسللون، عيون عرب المشرق الطامعين، لن نخدع.
إلا أن الزناتي لم يعره آذانا مصغية، وهو الذي استقدم له في غروب شمس هذا اليوم بالذات خمسة أشخاص على شاكلة هؤلاء تماما حين أزهق أرواحهم على عتبة قصره، باعتبارهم متسللين خطرين.
ثم ها هو أخيرا يعاود اللعبة ذاتها، وهنا في قصر ابنة سلطان تونس ووريثته عزيزة وابنته هو - أي الزناتي - الذي يحمل اسمها تيمنا، أبو سعدى.
وتساءل طويلا وهو يراقب في شره لا يخلو من غموض ما يحدث ويجري أمامه في تلك الليلاء.
حتى إذا ما حاول العلام إعادة تعبئته وشحنه ضد هؤلاء الأغراب «المتسللين» من ذوي المعشر الحسن؛ أجاب زاجرا ابن أخته بمؤخرة ذراعه: اهدأ يا علام. - كيف لي أن أهدأ يا مولاي وعيون المشرق تعمل داخل قصورنا ذاتها؟!
دق الأرض بقدميه كمن يستعد للإقدام على حماقة جديدة: هنا.
أعاد الزناتي قوله بإصرار: قلت اهدأ. - ما تراه يا خال.
وثقل جو المكان نتيجة لعدوانية عزيزة وسعدى ضد سموم العلام النازفة بلا توقف، مما دفع بالزناتي إلى الوقوف مودعا الجميع مطالبا سعدى بعدم التأخر طويلا قبل الالتحاق به، واستدار الزناتي منسحبا والعلام في أثره كظله متحاشيا نظرات الفنانين والباقين، ينفجر غيظا وألما مما يحدث له أمام الزناتي.
وانتفض الحرس وسمعت قرقعة السلاح صادرة من كل مكان لتحية الزناتي، الذي ما إن عبر بستان العزيزة المعبق بزهور الياسمين والفل والورد والرياحين ووصل إلى عربته، حتى اعتلاها صامتا مشيرا لحرسه بالعودة إلى قصره دون تبادل كلمة واحدة مع العلام ابن أخته الذي حاول اللحاق به ولو ليقول له: عمت مساء.
صفحه نامشخص