وقبل أن يعود الزناتي إلى الجلوس على كرسيه متعاليا كالطاووس، أشار على مستشاريه وأعوانه بضرورة استدعاء العلام فورا أينما كان ومن تحت أي سماء: الليلة.
وهنا تدافعت وفود حجابه ومستشاريه لتنفيذ أوامر الزناتي. - الأمير العلام الليلة، حالا.
واصل الزناتي مشيرا بحربته إلى عينيه قائلا في صرامته المعهودة: لن تذوق عيناي نوما الليلة قبل مثول العلام، حتى ولو كان في سابع نومة أحضروه.
كانت مشكلة المشاكل تلك الليلة التي لم تنم فيها عين من عيون حكام تونس وشيوخها في البحث المضني على طول قرطاج وتونس وتخومها عن العلام، ولكن دون طائل.
إلى أن تجمعت محصلة الأخبار منبثة عن أن العلام قارب القيروان، عبر مطاردته لجواسيس بني هلال المتنكرين الذين تسللوا داخلين إلى تونس في غفلة من حراسها.
إلى أن جاءت الأخبار بعد بضع ساعات أن الأمير العلام تمكن من أسر جواسيس بني هلال الأربعة، وجاء وصفهم كالآتي: رجل دائب الحركة في منتصف العمر، يعتقد أنه أبو زيد الهلالي ذاته، وثلاثة أمراء متنكرين، وأميرة مغنية حسنة الصوت عذبة الملامح دقيقة الجسم.
حتى إذا ما وصلت تلك الأنباء إلى أذني الزناتي - السهران - المؤرق، جاء رده في صيغة أمر صارم: أحضروهم أحياء، الآن.
وبدا منظرهم مزريا للغاية، مثيرا لكل شفقة لكل من وقع بصره عليهم حتى الزناتي ذاته، الذي مضى يتأملهم وهم يحبون على أربع عند قدميه!
وظهر أحدهم كرجل مسن له هيئة الشعراء الجوالين: على باب الله!
بمدح وقدح بربابته وخرجه الكبير الذي طغى على نصف بدنه الواهن، ومعه فتاة صغيرة بيضاء باهرة الجمال تنبض بالأنوثة وبيدها قيثارتها وهي تحبو تحت أثقال شعرها العسجدي الأحمر مستنجدة: بعرضك، ستر الله عرضك!
صفحه نامشخص