كل هذا وأبو زيد منشغل عنهم لا يضيع لحظة في إعداد «خرجه» الشهير ومحتوياته الغريبة، ما بين عناصر ومواد كيمائية كالزئبق وحجر المغناطيس وشمعة التنويم «البنج» والدخان المحبوس، ومجموعة لا بأس بها من مختلف الأعشاب والعطور والبخور، منها ما هو مركب ومنها ما يضحك ويرخي المفاصل ويدفع إلى الهياج أو إلى أقصى درجات النوم أياما بطولها.
وفجأة قطع الصمت صوت أبي القمصان المدوي الآمر حتى لأبي زيد: لا تنس الكوابيس!
عاد يؤكد مشيرا إلى صندوقه: أقصد بخور الكوابيس يا بركات.
هنا اندفع أبو زيد ممتنا إلى أبي القمصان الذي بدا كما لو كان يقرأ أفكاره حين عاد مذكرا: والزي الآخر.
ومن فوره اندفع أبو زيد مغيرا هيئته أمام مرآة هائلة متنكرا بزي شاعر جوال، وأبو القمصان يضع له لمساته الأخيرة مقدما إليه الربابة: هكذا تصبح فعلا في أرذل العمر، شاعرا عجوزا مجربا تماما!
ثم ناول أبو زيد يونس والبقية أزياءهم، وأبو القمصان لا يكف عن وضع لمساته الأخيرة، ما بين أسلحة محددة تخفى تحت الأردية البالية المزرية، بالإضافة إلى أشياء ومواد مختلفة تخبأ هنا وهناك.
منها ما يخفى في الجيوب والشقوق المتعددة المسارب أو داخل آلات عزفهم، إلى أن تغيرت هيئاتهم وشعورهم ووجوههم وأيديهم رأسا على عقب. كل هذا وأبو القمصان لا يكف عن هزله وتشفيه الخفى! - أريد منك أن تعرج أكثر.
ويمضي مقلدا مشية الأعرج وغدوه وهرولته وجريه متراقصا ومعبرا ومتهكما أيضا، حتى إذا ما ضحكوا باستثناء أبي زيد صب جام غضبه على رءوسهم الواحد تلو الآخر بغطرسة هي ذاتها التي تضحك من لا يضحك: إلا الضحك يا شعراء الغبراء!
ثم عاد أبو القمصان يهدد: من يضحك ضاع!
مؤكدا: وقد لا ترجعون! ومن يعرف فقد تعودون أدراجكم إلى نجد أيضا وأنتم تعرجون وكلما حاول أحدكم الوقوف وقع.
صفحه نامشخص