أرجو أن يفصل هذا ويفض المشكلة، فالموضوع أخطر بكثير مما يتصور الجالسون على كراسي الوزراء، والشعب قد بلغ به التعب الزبى فلا تتركوا له حتى حق الدواء!
غير أن الحديث عن المستقبل لم ينته بعد، فهو موضوع حياتنا اليوم وغدا، حياتنا أو موتنا.
حتما سأكتب قصتها
أريد أن أكتب قصة؛ قصتها، حديثة جدا وقريبة جدا، فقد وقعت أحداثها خلال أيام قليلة مضت، عرفناها وشاهدناها وأثقلت قلوبنا جميعا بهم من الصعب أن يزول.
قصة حديثة لأني كففت عن قراءة القصص التي تبدأ بكانت الرياح تزوم، والقمر محاقا، والدنيا بين صيف وشتاء، كففت عن قراءة قصص تحدثني عن إنسان يشكو الظلم أو الوحدة أو انعدام الهدف.
كففت عن قراءة قصص الخيال الطفولية، وكأنما تكتب من أطفال ليقرأها أطفال، كففت؛ لأن ما يدور بنا وأمامنا ونعيشه أصبح أكثر فاعلية بكثير من أي خيال، ومن أي رعب مصطنع، ومن أية كوارث قرأنا عنها في التاريخ.
ماذا يكون شعر الخنساء، أو تكون تراجيديا «أوديب» أو «هاملت» الذي يتأرجح بين أن يكون أو لا يكون؟! كل ما كتبته البشرية بخيالها وتجاربها لا يقارن بما يحدث أمامنا في واقعنا الآن، بل وعلى الساحة من حولنا، وفي العالم.
فهي قصة أبطالها رؤساء دول، وفتيان عرب، وقنابل وطائرات مخطوفة، وسفن مأسورة، وبنات شجعان، ورجال حبسوا فماتوا مخنوقين بجبنهم، قصص بطولات، وعبث أخرق مجنون، ورجال تعصف الأوضاع بأفئدتهم وعقولهم، ورؤساء عرب عناتيل محتمون في جحورهم المحروسة بالدبابات ومحاطون بالمرتزقة، وهم بكل إجرام وجبن يصدرون الأوامر بالاغتيال والاقتتال، قصة دولة عنصرية قامت على المذابح وبالمذابح، وتعيش بالترويع، ودولة كبرى في مساحتها وثروتها، صغرى إلى أدنى حدود الصغار في سلوكها وقيمها، قصة عالم عربي جاءته أعظم رسالات من السماء فأصبح بها ذات يوم أعظم الشعوب، ثم تفجر له من باطن الأرض شيطان أسود يحاول أن ينهش رسالته العظيمة ويلتهم إنسانيته، ولا يبقي له سوى نفس مريضة أمارة بالسوء والجشع واجتثاث الضمير.
أريد أن أكتب قصة، قصتها.
ولكنها ليست قصة مجردة حدثت من فراغ وفي فراغ.
صفحه نامشخص