الحقيقة كان الخاطر مفاجئا ولاسعا إلى درجة قفزت معها سناء واقفة ودون أن تتردد لثانية واحدة أمسكت النقود كما قرأت في الروايات بمنديلها، ثم وكأنها فكرت طويلا في المخبأ السري، إذ في لمح البصر كانت قد مدت يدها أسفل الدرج الأوسط لمكتب محمد الجندي، وهناك وجدت قطعة خشب بارزة كالرف وضعت فوقها النقود، وعادت إلى مكانها لاهثة.
حتى إن ضبطوها فسيحمل هو التهمة ويقع في الحفرة التي أراد لها أن تقع فيها.
وانتظرت ساعة وساعتين أن تأتي النيابة والبوليس دون أن يأتي أحد أو تبدو بادرة خطر، وإلى أن وصلت إلى البيت في ذلك اليوم كانت قد ضبطت أكثر من عشرين مرة، وراحت في داهية أكثر من مائة مرة، وأمسكها سائق التاكس المتخفي عشرات المرات.
ووصلت إلى البيت برغبة واحدة ... أن تنام، ودون أن تلحظ أمها استخرجت الرزمة من الحقيبة ووضعتها تحت المخدة ونامت.
وأيقظتها الأم ساعة العشاء حاسبة أنها مريضة! وبالكاد ازدردت بعض اللقم، وهي في أثناء الطعام وقبله وبعده تحاول أن تعثر على هاتف واحد من آلاف الهواتف التي اعتقدت أنها لا بد مستيقظة لديها ذات ساعة، صارخة فيها أن تعيد الرزمة الحرام إلى صاحبها دون جدوى.
بدلا من الهواتف كان ثمة إحساس طاغ أن المسألة قد حدثت وانتهت وأن المهم ليس النقود ... المهم هو الخطوات التي سبقت وأعقبت النقود، خطوات مهما فعلت وارتفعت ودقت رأسها بالسقف وهبطت لا يمكنها التراجع عنها.
حسنا جدا! فليكن ما حدث ولتكف نفسها مئونة التفكير.
ومر صباح الجمعة وظهرها وعصرها وهي لا تريد لليوم أن ينتهي ولا تريد العودة للمصلحة أبدا، ولكن الليل ما كاد يجيء حتى بدأ حب استطلاع غير حب استطلاعها العادي ... رغبة خبيثة ماكرة في الاستطلاع تطغى عليها وتتمنى معها أن ينقضي الليل بسرعة لترى ما حدث أو ما يمكن أن يحدث في المصلحة.
ورغم أنها لم تتوقع أبدا أن تجد ما وجدته، إلا أنها لدهشتها لم تستغرب حدوثه، في الواقع منذ يوم الامتحان وهي لم تعد تستغرب حدوث شيء ... أي شيء.
وجدت سر صفقة الخميس قد تسربت إلى الزملاء الأعزاء ... من الباشكاتب، من خفاجة، أو من عبادة نفسه ... تفصيل لا يهمها في قليل أو كثير، والغريب أنها بعد برهة وجدت نفسها غير ساخطة، أكثر من هذا سعيدة بهذا التسرب، لكأن حائطا سميكا كان يفصلها عن سليمان وأحمد والباشكاتب والجندي قد تهدم من أساسه، ولم يسخر منها أحد ولم يحاول أحد أن يعايرها، بالعكس أقبل الجميع عليها وكأنها نجحت في امتحان وانتقلت إلى خانتهم، أو لكأنها الأخت المريضة التي عوفيت وشفيت وانضمت إلى العائلة، التحفظ زال والحرص في المعاملة اختفى والحجرة تحولت إلى مكان عذب خفيف الروح يغري بالإقامة ويمحو الأشجان.
صفحه نامشخص