[حديث لا يدفن نبي إلا حيث يموت]
وقال سمعته ﷺ يقول: «لا يدفن نبي إلا حيث يموت» (١) . وهو في ذلك كله رابط الجأش، ثابت العلم والقدم في الدين.
ثم استخلف عمر، فظهرت بركة الإسلام، ونفذ الوعد الصادق في الخليفتين (٢) .
_________
(١) في كتاب الجنائز من موطأ مالك (ك١٦ ج٢٧ - ص٢٣١) أن مالكا بلغه أن رسول الله ﷺ توفي يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء. وصلى الناس أفذاذا لا يؤمهم أحد. فقال ناس: يدفن عند المنبر. وقال آخرون: يدفن بالبقيع. فجاء أبو بكر الصديق فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه " قال الحافظ ابن عبد البر: صحيح من وجوه مختلفة وأحاديث شتى جمعها مالك وفي كتاب الجنائز من جامع الترمذي (ك٨ ب٣٣) حديث عائشة: لما قبض رسول الله ﷺ اختلفوا في دفنه فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله ﷺ شيئا ما نسيته: ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه. ادفنوه في موضع فراشه. وفي كتاب الجنائز من سنن ابن ماجه (ك ٦ ب ٦٥) عن ابن عباس: لقد اختلف المسلمون في المكان الذي يحفر له فقال قائلون: يدفن في مسجده وقال قائلون: يدفن مع أصحابه فقال أبو بكر إني سمعت رسول الله ﷺ يقول ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض. ورواه ابن إسحاق (في السيرة لابن هاشم ٣: ١٠٣ بولاق) من حديث عكرمة عن ابن عباس. وانظر البداية والنهاية للحافظ ابن كثير (٥: ٢٦٦ - ٢٦٨) .
(٢) وهو وعد الله ﷿ في سورة النور: ٥٥ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ولقد كان المجتمع الإسلامي - بتوجيه هذين الخليفتين - أسعد مجتمع إنساني عرفه التاريخ، لأن الناس - من ولاة ورعية، كانوا يتعاملون بالإيثار، وكان الواحد منهم يكتفي بما يفي بحاجته، ويبذل من ذات نفسه أقصى ما يستطيع أن يستخرج منها من جهد لإقامة الحق في الأرض وتعميم الخير بين الناس. ويلقى الرجل الخير منهم رجلا لا تزال تنزع به نزعات الشر، فلا يزال به حتى يخدر عناصر الشر المتوثبة في نفسه، ويوقظ ما كمن فيها من عناصر الخير إلى أن يكون من أهل الخير المنتسبين إلى الإسلام، ولا تزال حتى يومنا هذا طوائف امتلأت قلوبهم بالضغن حتى على أبي بكر وعمر، فضلا عمن استعان بهم أبو بكر وعمر من أهل الفضل والإحسان، فصنعوا لهم من الأخبار الكاذبة شخصيات أخرى غير شخصياتهم التي كانوا عليها في نفس الأمر، ليقنعوا أنفسهم بأنهم إنما أبغضوا أناسا يستحقون منهم هذه البغضاء. ولهذا امتلأ التاريخ الإسلامي بالأكاذيب، ولن تتجدد للمسلمين نهضة إلا إذا عرفوا سلفهم على حقيقته واتخذوا منه قدوة لهم ولن يعرفوا سلفهم على حقيقته إلا بتطهير التاريخ الإسلامي مما لصق به.
1 / 51