وقد حققت المسرحية نجاحا ملحوظا أقال الموسم من تعثره. ومضى موسم الشتاء بلا سرور، ولكنه نجح نجاحا فذا في موسم روض الفرج الجديد، وكان يسرف في العمل كما يسرف في كل شيء ولكن بلا سعادة حقيقية. وظل الحب يطارده بلا أدنى أمل. وسنحت فرصة - والفضل فيها لفرج يا مسهل - لتأجير مسرح الإليزيه بشارع دوبريه، فاستأجره مدفوعا بروح المغامرة والآمال الغامضة، وقال لبدرية: ها هي ذي فرصة للعمل في قلب المدينة، آن لك أن تعملي كنجمة حقيقية.
20
أنفق في الاستعداد للموسم الجديد مالا كثيرا، والإليزيه مسرح حسن بناء وموقعا، وقد كان مغلقا من أعوام بسبب اختلافات بين الورثة حتى استحقه بحكم قضائي الخواجا بنيامين، فكان عزت أول مستأجر له في حياته الجديدة. شعر عزت بأنه أصبح صاحب مسرح بالمعنى الدقيق للكلمة، وأنه سيعمل بكل فخار في مجال رمسيس والأزبكية وبرنتانيا. أجل، لم يوفق إلى ضم ممثل أو ممثلة ذات شأن إلى فرقته، ولكنه كان شديد الثقة ببدرية، ومضى يحلم بنجاح مرموق حتى ليلة الافتتاح، وإذا به يتلقى صدمة باردة، فيرفع الستار عن صالة ثلاثة أرباعها خالية. اعتقد بادئ الأمر أن فرقته غير مؤهلة للنجاح في وسط المدينة، ولكن أنباء ترامت إليه عما تعانيه المسارح جملة من فتور وانكماش. وما كان بوسعه إلا أن يستمر، ولعل النجاح الوحيد الذي قسم للفرقة كان من نصيب بدرية؛ إذ تقدم لخطبتها تاجر ثري! عرف ذلك عن طريق فرج يا مسهل وليس عن طريق بدرية، فضاعف ذلك من آلامه المزمنة.
وانفرد بها في حجرة الإدارة في جو ثقيل من الخيبة وفي نيته عزم على التحدي. قال: الحال كما ترين. ترى ماذا يحسن بنا أن نفعل؟
فقالت بحزن: يحسن بك ألا تستمر. - الجميع يخسرون. - هذا أدعى للأخذ برأيي. - هل نرجع إلى الكلوب المصري وروض الفرج؟ - إذا شئت.
فقال بارتياب: لست متحمسة؟ - لا شيء يدعو إلى الحماس.
فتساءل بارتياب أشد: وماذا عن مستقبلك؟
فغضت بصرها ولم تنبس، فسألها بصراحة: أحقيقي ما سمعت عن رجل يطلب يدك؟
فأجابت بهدوء دون أن ترفع عينيها: نعم. - عجيب أن يجيئني الخبر من آخرين!
فندت عنها حركة تنم عن ضيق ولكنها لم تتكلم. قال: وهو خبر غير معقول. - لماذا؟ - ألم تبدي استعدادا لانتظار الآخر ربع قرن من الزمان؟ - لم يدر بخلدي الفشل. - وهل حقا ما يقال من أن الرجل يكبرك بثلاثين عاما؟ - يحدث ذلك. - لعلك خفت عواقب الكساد، ولكن ما تزال أمامنا فرص.
صفحه نامشخص