والاكتشاف تحليلي يجري على طراز القياس: من التعميم إلى التخصيص. والاختراع تأليفي يجري على طراز الاستقراء: من التخصيص إلى التعميم. (أحيل القارئ هنا إلى فصل «الشخصية السيكوبائية».)
طراز الجسم ومزاج النفس
يصح أن نسمي هذا الفصل «الفراسة السيكلوجية»؛ لأننا نستطيع بما نعرفه هنا أن نتكهن بسلوك الشخص - إلى حد ما - من النظر إلى قوامه وتقاسيم وجهه؛ أي: نعرف مزاج نفسه من طراز جسمه، والفضل في هذه المعارف التي لم تبلغ منتهاها للسيكلوجي السويسري يونج، ثم للسيكلوجي الألماني كريتشمر.
وقد سبق أن أشرنا إلى أن الغدد الصماء تؤثر في بنية الجسم كما تؤثر في الذكاء، وقد يكون الطراز الذي ينبني عليه الجسم قائما أيضا على هذه الغدد؛ أي إن وفرة الإفراز من إحدى الغدد قد تؤدي إلى قامة مديدة نحيفة، أو إلى قامة قصيرة متكتلة، ثم إلى اتجاه نفسي معين وإلى لون خاص من الذكاء.
فهناك ثلاثة طرز من الجسم هي: الانطوائي، والانبساطي، والرياضي. (1)
فالطراز الانطوائي يتسم بوجه مستطيل ورأس صغير، ليس له نتوء في الخلف، والرأس والوجه يؤلفان شكلا بيضويا، والأنف طويل والوجه في العادة أصفر، وقد يبلغ الستين من العمر ولا يكاد الصلع يصيب شعره، وإذا تفشى فيه الصلع تفرق قليلا في الرأس بلا انتظام وبلا إسراف، وكثيرا ما يقع هذا الطراز في التدرن، وهو لا يسمن ولا يستكرش، وتبدو عليه أمارات الشيخوخة في سن مبكرة، ولكنه مع ذلك يعمر.
هذه هي هيئة الجسم، أما مزاج النفس عند الانطوائي فيعرف بحبه للانفراد وكراهة الاجتماع، فهو يعتزل ولا يختلط إلا مضطرا ، وهو صموت لا يتفتح للكلام، وكتوم سري يتجنب النادي والقهوة والمأتم والعرس، ولا يعرف ألعاب الحظ والمؤانسة، ويتحفظ ويخجل كثيرا، وأحيانا يكون كسولا متشردا.
والتشرد هنا نوع من الانفراد وكراهة الاختلاط بالناس، وهو يكظم ولا يعبر عن عواطفه بغضب أو فرح أو حماسة، وهو في سن المراهقة يقع بسهولة في العادة السرية، وانفراده يساعده على الإسراف فيها، وعجزه عن الاختلاط بالجنس الآخر يزيد هذه العادة خطرا عنده، وهو يبني قصورا في الهواء يتخيل ويحلم أحلام اليقظة، وهو في الثقافة والسياسة يلتفت إلى المبادئ ولا يبالي الأشخاص، وقد يتعصب للمبادئ ويكافح ويخاطر من أجلها، والشيزوفرينيا، وهي مرض الانطوائيين، وهي مرض العزلة التامة وجمود العواطف، والمجرم الذي لا يبالي قتل الناس هو في العادة انطوائي، وكذلك دعاة المبادئ والمذاهب والفلسفات والتعصب الأعمى الذي لا يبالي العقبات انطوائيون.
والانطوائي نراه في مجتمعنا منفردا، أو هو يختص بصداقة واحد أو اثنين يعتزل بهما جانبا، وهو أنيق فني في اختيار أثاث منزله وأدواته، قنوع في طعامه لا ينهم، ولكن تأنقه في الاختيار يتضح في اقتناء الآنية الصينية الفاخرة أو نحو ذلك، ويمكن أن يقال: إن زهرة حياة الانطوائي تتفتح إلى الداخل، وعقله الكامن (= الباطن) ينشط كثيرا، ولذلك يميل إلى الشعر ويؤلف القصائد والقصص الخيالية، ولكنه لا يحسن وصف الأشخاص، وهو يكتم عواطفه ويحقد وقد ينفجر، وهو أسلوبي السلوك أرستقراطي الحركة، والكاتم المخاصم هو في العادة انطوائي، ونعني المخاصم المثابر. (2)
والطراز الانبساطي يتسم بالسمن والتكتل، وأحيانا بالاستكراش، وله وجه مستدير أو كالمستدير حاضر الدم مورد، وهو يصلع مبكرا منذ العشرين أو الخامسة والعشرين، والصلع يسعى في رأسه في نظام، يبدأ من الجبهة ويسير متدرجا إلى الخلف في صف سوي لا تتجاوز قطعة منه الأخرى، وهو كثيرا ما يتعرض للبول السكري والرومتزم، وأحيانا يصاب بالغوطر، والترهل والاستكراش يتضحان فيه حتى قبل الخمسين.
صفحه نامشخص