كذلك ينبغي أن يقدر المؤرخون أن معاملة القطر كقطعة واحدة من الأرض شيء لم يخطر على بال أحد في ذلك الزمان!
فالمؤرخون الأقدمون كانوا يذكرون مصر في كتبهم، فيتكلمون عن مصر وإسكندرية، ومصر وطيبة، ومصر والفيوم، ومصر والمدن الخمس، ويفرقون بينها في أحكام الولايات والأبرشيات من الوجهة الإدارية والوجهة الدينية.
ولما تم الفتح كانت معاملة الأقاليم مختلفة على حسب الولاة والملاك، وعلى حسب المقاومة والصلح، وعلى حسب الجنود والقادة الذين أخذوها عنوة، أو أخذوها بعد حصار أو أخذوها بغير مقاومة.
فهناك أقاليم كان الملاك فيها من الرومان فهجروها، وأصبحت من غنائم الدولة التي تستولي عليها وتتولى تقسيمها وتوزيعها.
وهناك أقاليم يكثر فيها الملاك الوطنيون، وهذه داخلة في ضريبة الجزية، وأقاليم حاربت وأقاليم لم تحارب ولم تعقد صلحا؛ لأنها كانت متروكة بغير زعامة وبغير رئاسة تنوب عنها في المعاهدة والمصالحة.
أما اختلاف المعاملة بالنظر إلى الجيش الفاتح فمرجعه إلى الفرق بين الغنيمة والفيء في أرزاق الجنود.
فالغنائم التي تؤخذ حربا تعزل منها حصة لبيت المال، وتقسم منها حصة على المقاتلين.
والغنائم التي يأخذها الفاتحون بغير حرب هي الفيء الذي يئول الأمر فيه إلى تصرف الإمام ولا يصح تقسيمه بين المقاتلين.
فلما حصل الفتح جاء الاختلاف من قبل التمييز بين المحارب والمسالم، وبين حقوق الغنيمة وحقوق الفيء، ولكن لا اختلاف على الإطلاق في نظام الضرائب كيف يكون في محاسبة الذميين ومحاسبة الجنود. •••
وقد يختلف في الأرض الخراجية وغير الخراجية، ولكن الأمر الذي لم يقع عليه خلاف قط هو ضريبة العشر على المسلم؛ لأنها هي فريضة الزكاة التي تلزمه باستحقاقها ولا خلاف عليها. والتنبيه إلى ذلك واجب لتصحيح أقوال المؤرخين الذين وهموا أن أناسا من أبناء مصر دخلوا الإسلام فرارا من ضريبة الجزية، فإن نظام الضرائب الجديدة كان يوجب على كل ذمي عامل دينارين في السنة، ولا ضريبة على النساء ولا على الأطفال ولا على الشيوخ العجزة «ولا يزاد أحد منهم في جزية رأسه أكثر من دينارين، إلا أنه يلزم بقدر ما يتوسع فيه من الأرض والزرع، إلا أهل الإسكندرية فإنهم كانوا يؤدون الخراج والجزية على قدر ما يرى من وليهم»؛ لأن سكانها من الروم، ومن والاهم لم يدخلوا في اتفاق، وعادوا إلى القتال بأمر الدولة الرومانية مرتين.
صفحه نامشخص