مامور مخفی: یک داستان ساده

ابراهیم صند احمد d. 1450 AH
19

مامور مخفی: یک داستان ساده

العميل السري: حكاية بسيطة

ژانرها

من دون مفصل ظاهر في كوعه، الذي كان أشبه بانحناء في أحد أطراف دمية، منطرحا على ظهر كرسي، انحنى إلى الأمام قليلا فوق فخذيه القصيرين والضخمين ليبصق في موقد المدفأة.

أضاف من دون تأكيد: «نعم! لقد توفر لدي الوقت للتفكير في الأمور قليلا. منحني المجتمع الكثير من الوقت للتأمل.»

على الجانب الآخر من المدفأة، على كرسي بذراعين مكسو بشعر الخيل كانت والدة السيدة فيرلوك تحظى بامتياز الجلوس عليه عادة، أطلق كارل يوندت ضحكة أخفت وراءها عبوسا وتكشيرة خافتة وغامضة من فم خال من الأسنان. كان الإرهابي - كما أطلق على نفسه - عجوزا وأصلع وله خصلة من شعر أبيض مدلاة من ذقنه. تكشف تعبير غير عادي من حقد خفي في عينيه المطفأتين. عندما نهض متألما رسم اندفاع مقدم يد نحيفة تتلمس طريقها ومشوهة بتورمات النقرس صورة جهد قاتل محتضر يستجمع كل ما تبقى لديه من قوة من أجل طعنة أخيرة. اتكأ على عصا سميكة، ارتعشت تحت يده الأخرى.

تكلم بشراسة: «لقد حلمت دوما بعصبة من رجال لا يحيدون عن عزمهم في نبذ كل تورع في اختيار الوسائل التي يتبعونها، أقوياء لدرجة أن يطلقوا على أنفسهم صراحة اسم «المدمرين»، ومتحررون من وصمة ذلك التشاؤم المستكين الذي يفسد العالم. لا يرحمون أي شيء على وجه الأرض - ولا حتى أنفسهم - ويجندون الموت من أجل الخير وكل ما يخدم البشرية، هذا ما أحببت أن أراه.»

اهتز رأسه الأصلع الصغير، مضفيا اهتزازا مضحكا على خصلة العثنون البيضاء. كان من شأن نطقه أن يكاد يكون غير مفهوم على الإطلاق لأي شخص غريب. لم يسعف حماسه المنهك - الذي يشبه في قوته الواهنة إثارة شهواني عجوز - حلق جاف وفم خال من الأسنان بدا وكأنه يمسك بطرف لسانه. أطلق السيد فيرلوك، الذي كان يجلس بثبات في ركن الأريكة في الطرف الآخر من الغرفة، همهمتين تنمان عن موافقته من صميم قلبه.

أدار الإرهابي المسن رأسه ببطء على رقبته الضامرة من جانب إلى آخر. «ولم أتمكن من أن أجمع ما يصل عدده إلى ثلاثة رجال من هذه النوعية. لقد اكتفيت من تشاؤمكم العفن.» أضاف مزمجرا في وجه ميكايليس، الذي فصل ساقيه المكتنزتين باللحم، اللتين كانتا تشبهان وسادتين أسطوانيتين، بعضهما عن بعض وزلق قدميه فجأة تحت كرسيه علامة على سخطه.

هو متشائم! أخرق! صاح قائلا إن هذه التهمة كانت شائنة. كان بعيدا للغاية عن التشاؤم لدرجة أنه رأى بالفعل أنه من المنطقي، ومما لا مفر منه، أن تكون نهاية كل الملكيات الخاصة أمرا وشيكا بمجرد ازدياد الخبث المتأصل فيها. لم يكن على أصحاب الممتلكات مواجهة طبقة البروليتاريا التي تيقظت فحسب، بل كان عليهم أن يتقاتلوا فيما بينهم. أجل . صراع، وحرب، كان ذلك هو حال الملكية الخاصة. كانت حربا مهلكة. آه! إنه لم يعتمد على الحماس العاطفي للحفاظ على إيمانه، فلا مكان للتصريحات ولا مكان للغضب ولا مكان للتلويح بأعلام حمراء قانية أو شموس متوهجة ترمز إلى الانتقام فوق أفق مجتمع محكوم عليه بالهلاك. ليس هو! كان يتفاخر بأن التفكير المتجرد من المشاعر هو أساس تفاؤله. نعم، تفاؤله ...

توقف أزيز تنفسه المرهق، ثم، بعد لهثة أو اثنتين، أضاف قائلا: «أتعتقدون أنني، لو لم أكن متفائلا كما هو حالي، ما كنت سأجد وسيلة لجز عنقي طيلة خمس عشرة سنة؟ وفي الحالة الأخيرة، كان يمكنني دوما أن أضرب رأسي في جدران زنزانتي.»

سلب ضيق تنفسه صوته من الحماس والحيوية؛ وتدلت وجنتاه الضخمتان الشاحبتان مثل كيسين ممتلئين، بلا حركة، وبلا اهتزاز؛ ولكن في عينيه الزرقاوين، اللتين ضاقتا وكأنهما تحدقان فيما أمامهما، كانت توجد نفس النظرة التي كانت تنم عن ذكاء واثق، وعن شيء من الجنون في ثباتها، لا بد أنها كذلك وقت أن قبع المتفائل مفكرا في زنزانته ليلا. ظل كارل يوندت واقفا أمامه، ملقيا إحدى جانبي معطفه الهافلوك الباهت المخضر خلف كتفه بعجرفة. أمام المدفأة، جلس الرفيق أوسيبون، طالب الطب السابق، والكاتب الأساسي لمنشورات حركة مستقبل طبقة العمال، مادا ساقيه القويتين، وأبقى نعل حذائه متجها نحو لهب موقد المدفأة. اكتست رأسه بأجمة من شعر أصفر مجعد فوق وجهه الأحمر المليء بالنمش، الذي ضم أنفا أفطس وفما بارزا تقولبا في قالب يشبه تقريبا ملامح الزنوج. كانت عيناه اللتان تشبهان اللوزتين تتألقان بهدوء فوق عظام الوجنتين المرتفعة. ارتدى قميصا خفيفا رماديا، وتدلت نهايتا ربطة عنق حريرية سوداء إلى أسفل صدر معطفه المزرر المنسوج من السيرج؛ وإذ استقر رأسه على ظهر كرسيه، برزت حنجرته كثيرا، ورفع إلى شفتيه سيجارة وضعها في مبسم خشبي طويل، وأخذ ينفث نفثات من الدخان مباشرة نحو السقف.

تابع ميكايليس فكرته - فكرة عزلته الفردية - الفكرة التي كانت منحة أسره وظلت تتنامى مثل إيمان تكشف في رؤى. تحدث إلى نفسه، غير مبال بتعاطف مستمعيه أو عدائيتهم، وغير مبال حقا لوجودهم، وكان ذلك نابعا من عادة التفكير بصوت عال التي كان قد اكتسبها في عزلة جدران زنزانته الأربعة المطلية باللون الأبيض، وفي الصمت الموحش الذي كان يخيم على كومة الطوب الصماء القريبة من نهر، يفوح منها الشؤم والقبح كأنها مستودع جنائزي ضخم لجثث الذين أغرقهم المجتمع.

صفحه نامشخص