كان أحد الإجراءات الأولى التي اتخذها المجلس العام للحلف إعلان الحرب على بلاد فارس في 337 / 336 بناء على أوامر فيليب. وعلى الرغم من إرسال فيليب قوة متقدمة إلى شمال غرب الأناضول، فإنه لم يعش ليجرد الحملة بكامل قوتها، وكان خليفته هو من اضطلع بهذه المهمة. (1-5) إنجازات فيليب الثاني
يقال إن ديموستيني وصف فيليب بأنه أذكى الرجال أو أعظمهم مهابة؛ لأن كلمة «دينوس» الإغريقية تحمل المعنيين. ويمكننا أن نلخص تلخيصا مباشرا إنجازاته على الأصعدة العسكرية والدبلوماسية والشخصية لنحصل على فهم أتم للرجل الذي سيخلفه.
جعل فيليب من مقدونيا مملكة مستقرة بعد توليه السلطة في أعقاب هزيمة كارثية أودت بحياة أخيه، الذي كان ملك البلاد آنذاك، ومعه 4 آلاف رجل، فاستطاع إعادة تأكيد السيطرة على المناطق التي انفصلت فعليا عن المملكة أثناء العقود الأربعة الأولى من القرن الرابع، ثم إضافة مساحات كبيرة من الأراضي الجديدة. ضاعفت نجاحاته مساحة المملكة إلى أكثر من ضعف ما كانت عليه في نهاية الحرب البيلوبونيزية، وازداد أيضا سكان المنطقة الخاضعة للسيطرة الفعلية زيادة حادة من نحو 228 ألفا في نهاية القرن الخامس إلى نحو 700 ألف أثناء حكم فيليب الثاني. بالإضافة إلى المساحة، عززت آليات السلطة المركزية، فأعيد إصلاح الجيش، وأصل الولاء للملك، وزادت الاستثمارات في الطرق والحصون والمستوطنات الجديدة في الأراضي المفتوحة إمكانية مواصلة السيطرة من بيلا، ووفرت الإدارة الملكية للموارد ما يلزم لتنفيذ هذه الخطوات.
بتوسيع فيليب رقعة مملكته وزيادة قدرتها على البقاء، وسع مجال النفوذ المقدوني ليشمل اليونان وتراقيا وإليريا وإبيروس على الساحل الأدرياتي. ومكنته مهاراته الدبلوماسية الرفيعة من اكتساب الأنصار حتى من بين الإغريق، والأكثر من ذلك أنها جلبت له مناصب رسمية في هيئات مهيبة مهمة. كان فيليب يعرف المؤسسات الإغريقية معرفة جيدة بما يكفي ليقيم الهيئات المقدونية الجديدة على غرار تلك المؤسسات، وفوق ذلك فإن براعته في ترتيب المعاهدات، التي ساندها غالبا الزواج من إحدى بنات الطرف الآخر، خدمته جيدا.
يثني المؤرخ ديودورس الصقلي على مناقب فيليب الشخصية وشجاعته و«تألق شخصيته» (الكتاب السادس عشر، 1، 6). قاد فيليب قواته في الحرب وأثخن بالجراح ليثبت أنه كان يحارب في الطليعة، ومن ذلك فقدانه إحدى عينيه في معركة خاضها في ميثوني. كان يتعامل مع معاونيه مباشرة في مسائل الحرب والإدارة، جامعا الخدمات والموارد الضرورية من حوله في العاصمة بيلا. ولعب دورا مباشرا في مجالس كبار مسئوليه، وكذلك في الندوات الضخمة المتكررة وفي الاحتفالات التي كانت ترافق المناسبات الكبرى.
ولدى موته سنة 336، كان يهيئ موارد مملكته وحلفائه في الحلف الكورنثي لشن المزيد من الغارات، التي كانت هذه المرة شرقا داخل أراضي الإمبراطورية الفارسية.
من نافلة القول أن فيليب كان أكثر بكثير من مجرد جزء من عالم الإسكندر؛ إذ أضفى على ذلك العالم شكله وهيئته. كانت مقدون مملكة مترامية الأطراف، لديها من القوات المسلحة والتنظيم ما يبشر بالبقاء، وتمكن ملكها من إخضاع أعدائه السابقين من إليريا إلى تراقيا، ومن بيونيا إلى جنوب اليونان. كان النصر العسكري يستند إلى جيش أعيد تكوينه وهيكلته وعزز ولاؤه لزعيمه، وهو الملك المقدوني، باستحداث نظام لتجنيد أبناء الأسر المقدونية الأرستقراطية، والفلاحين الذين تحمسوا لترك الرعي واحتراف الجندية، والجنود المحترفين غير المقدونيين. كانت بيلا آخذة في التحول إلى مركز أنشطة لا غنى عنه لدولة جيدة التنظيم. واستحدث فيليب خارج مقدون ذاتها أشكالا جديدة من التحالف مع الأقاليم التي كانت ذات يوم مستقلة، وصار القوة الموجهة في تلك التحالفات. كان نجاحه آخذا في تحويل بيلا إلى مركز نشاط دولي.
كان فيليب ، بالتحول الذي أحدثه في القوة المقدونية، نموذجا لما يمكن أن ينجزه ملك أرغي، وسيكون لزاما على خليفة ذلك الرجل أن يكون رجلا مدهشا بالقدر ذاته. بلور فيليب إرثا للملك الأرغي الذي سيرثه أعظم بكثير من الإرث الذي ناله سنة 359، لكنه رفع بذلك أيضا مستوى المهارات الشخصية والاحترافية الضرورية للحفاظ على نفوذ المملكة. (2) أوليمبياس
كان النصف الآخر من نسب الإسكندر مهما بالقدر نفسه؛ إذ شكلت الأم مستقبل ابنها بطرق تتجاوز تماما حدود كونها الواهبة لحياته. كان زواجها بفيليب عنصرا أساسيا من عناصر التحالف بين إبيروس ومقدون، الذي جمع بين أسرتين حاكمتين بالوسائل السلمية لا العسكرية. لكن كما رأينا، أبرم فيليب ست زيجات دبلوماسية أخرى، مما تمخض عما يمكن رؤيته كبيئة تنافسية تناضل فيها الزوجات ليضمن لأنفسهن المكانة ولأولادهن النجاح في المستقبل. كان لزاما على الأم أن تحمي نفسها وأبناءها وبناتها أثناء طفولتهم وشبابهم، وتشكل الظروف التي يمكن لأبنائها أن يترعرعوا فيها ويبرهنوا على قدراتهم لكي يرثوا العرش أو ليصير بناتها زوجات لرجال مهمين. لم تكن تلك بالمهمة السهلة في ظل أحسن الظروف، بل كانت أصعب على أم الإسكندر؛ لأنها لم تكن أرغية.
شكل 3-6: رأس عاجي من زينة حامل التابوت المطعم بالذهب والعاج في الغرفة الرئيسة بالمدفن الملكي الثاني في فيرجينا، ويعتقد أنه رأس أوليمبياس. بإذن من السيدة أوليمبيا أندرونيكو-كاكوليدو.
صفحه نامشخص