وهكذا كان إيمان عمر في سلوك دنياه وسلوك دينه، كان إيمان الطبيعة الجندية في حالتها المثلى.
ففي سلوك دنياه كان يعيش أبدا عيشة المجاهد في الميدان؛ فآثر الشظف، وقنع منها بأقل ما يكفيه ولا غنى عنه.
وفي سلوك دينه كان موقفه بين يدي الله أبدا كموقف الجندي الذي يعلم أنه لا يلقى مولاه إلا ليؤدي الحساب على الكثير والقليل، فإن تجئه المسامحة جاءت عفوا، لا ينسيه تحضير الحساب.
وكان معتمدا على الغيب موصولا بالقدر، يركن إليه كأنه يراه بعينيه. ومن دأب كل طبيعة تستحضر الموت أن تنظر إلى الغيب، وتستطلع طلعه
28
وتنتظر منه الحماية والهداية.
فاشتهر عن كثير من كبار القادة أنهم يؤمنون لهم بنجم سعد يلحظهم، أو بغاية أجل لا يعجلون عنها، أو بإلهام يهديهم إلى النجاة، ويرون أماراته وعلاماته في الرؤى والهواتف، وكلمات الفأل والبشارة.
وكان عمر يتفاءل بالأسماء، وينظر في الرؤى والمنامات، ويروى عنه في روايات متواترة أنه أنبئ بموته في منام، وأنه رأى كأن ديكا ينقره نقرتين، وفسروا له الديك برجل من العجم يطعنه طعنتين.
وروى محارب بن دثار عنه أنه سأل رجلا: من أنت؟ فقال: قاضي دمشق. قال: كيف تقضي؟ قال: أقضي بكتاب الله. فسأله: وإذا جاءك ما ليس في كتاب الله؟ فأجابه: أقضي إذن بسنة رسول الله. فسأله ثانية: وإذا جاءك ما ليس في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد برأيي وأؤامر جلسائي. فاستحسن قوله وأوصاه إذا جلس للحكم أن يدعو الله قائلا: «إني أسألك أن أفتي بعلم، وأن أقضي بحلم، وأسألك العدل في الغضب والرضا.»
ثم رجع القاضي بعد فترة فسأله عمر: ما أرجعك؟ قال: رأيت الشمس والقمر يقتتلان، مع كل واحد منهما جنود من الكواكب. فسأله: مع أيهما كنت؟
صفحه نامشخص