وقد كانت حرب 67، ذروة محاولات الرأسمالية العالمية لضرب الاشتراكية في مصر، وقد يكون تكرارا مملا أن نعدد ما حققته الاشتراكية: مساحة الأرض التي وزعت والأرض التي استصلحت، وما غيرته في حياة الريف وحياة الفلاح، أو عدد المصانع التي أقيمت وما فعلته في حياة العمال، أو عدد المدارس والمعاهد والكليات وما أثرت به في حياة مصر الثقافية، أو عدد القوات المسلحة التي تكونت وما منحته من ثقة وأمن ... هذه إحصاءات يعرفها الجميع، ولا بد كان الدكتور أول من يجب أن يراجعها قبل أن يعلن بيانه وتقييمه.
لن نكرر إحصاءات معروفة، ولكن لا يستطيع أحد أن ينكر على الثورة أنها ألقت بذور الاشتراكية في مصر، بطول مصر وعرضها، في القرية والمدينة والصحراء، وأعلنت حتمية الطريق الاشتراكي وقدرة الاشتراكية على حل المشاكل وأن لا حل سواها، وتركت لهذه البذور أن تنمو في أخصب وأصلح تربة للاشتراكية.
ولا أحد ينكر أن الاشتراكية قد دكت المجتمع القديم الظالم من أسسه، وبددت الخرافة التي كانت تجعل منه المجتمع الوحيد والأبدي والأزلي، وأكدت في نفوس الملايين أن المجتمع الظالم ليس هو طبيعة الأشياء، وأن من الممكن استبداله بمجتمع كفاية وعدل.
لقد قدمت هذه الاشتراكية «الأمل» حتى إنها لم تكن قد قدمت الفائدة الملموسة كاملة. وعمر الاشتراكية في مصر - على أي حال - لا يزيد عن 14 عاما منذ إعلان القوانين الاشتراكية، وربما كان عمرها الصحيح ست سنوات حتى حرب 67 التي كانت أقسى امتحان لها، والتي وضعت مصر أمام تحد قلب كل الخطط والمشاريع.
ومن حق الدكتور أن ينكر أنه كانت هناك اشتراكية، أو أنها حققت شيئا، ولكن أفضل الاقتصاديين في مصر - وطنيين أو اشتراكيين أو ماركسيين - يعترفون بأن القطاع العام الذي أقامته الاشتراكية هو الذي مكن مصر من الصمود اقتصاديا خلال المحنة الكبيرة.
ويعترف أفضل الاقتصاديين من كل الاتجاهات «الوطنية» أن ما حققته مصر من تنمية في ظل الاشتراكية هو أضخم تنمية حققتها في تاريخها الحديث كله، أي منذ تفتحت على الحضارة المعاصرة أيام محمد علي.
وإذا كان الدكتور زكريا يمجد العبور، ويرى فيه بعث الإنسان المصري الذي سحقته «التجربة الناصرية» فإن العسكريين الذين قادوا هذا العبور والذين يعرفون أسراره بأفضل مما يعرف، أعلنوا أنه لولا القطاع العام الذي أقامته الاشتراكية لما أمكن العبور والانتصار!
ولا شك أن الدكتور فؤاد زكريا لم يزر قط قرية من قرى الإصلاح الزراعي، ولم يشهد ذات يوم اجتماعا في قصر الأمير كمال حسين في نجع حمادي، بين الفلاحين الذين وزعت عليهم أرضه، وبين أعضاء مجلس الشعب ورجال الإصلاح الزراعي، وهو ما لم يحلم به فلاح في يوم من الأيام.
ولا شك أن الدكتور لم يزر قط مجمع الألمونيوم في نجع حمادي أيضا؛ ليرى كيف ينتقل مجتمع من الإقطاع أو ما قبله إلى عصر الصناعة الاشتراكية رأسا، وبالطبع لم يزر السد العالي أو مصنع السكر في إدفو؛ أشد مناطق مصر فقرا فيما مضى.
ولا شك أن الدكتور لم يقرأ ما ينشره طلبته وطلبة الجامعة التي يقوم بالتدريس فيها على جدران كلياتهم، وهم الجيل الذي أنجبته الثورة، والذي يتدفق حيوية وحرارة وإيجابية حتى في سخطه ورفضه وتمرده، إنه بالتأكيد لم تسحقه الثورة كما يؤكد! وحينما كان الدكتور طالبا في الجامعة كانت هناك جامعتان في القاهرة والإسكندرية أما الآن فتنتشر الجامعات والكليات في أرجاء مصر؛ في أسوان وأسيوط والمنيا، وفي طنطا والمنصورة والزقازيق ... والنظام الذي يسحق الشعب ويضع هذا من أهدافه لا يفتح هذا العدد من المدارس والجامعات.
صفحه نامشخص