وهنا يخرج الدكتور بنتيجة واضحة ومبتكرة، وهي أن استقبال نيكسون كان استفتاء شعبيا على رفض الشعب للاشتراكية والثورة «الناصرية» عامة.
ولا ينتهي الدكتور إلى الوجه الآخر للنتيجة، وهو أنه إذا كان الشعب قد صوت باستقبال نيكسون ضد الاشتراكية فلا بد أن يكون قد أعلن ثقته وإيمانه بالرأسمالية والإمبريالية الأمريكية.
وحينئذ لا بد أن نعيد النظر في كل تاريخنا الحديث، القريب والبعيد، ويصبح لا معنى لأن نترك قواتنا المسلحة في مواجهة مع هذه الإمبريالية في رمال الصحراء، ويصبح علينا أن نبحث عن حقيقة الشعب «الآخر» الذي عاش في معركة متصلة مستميتة طوال عشرين عاما - ومنذ الثورة حتى الآن - ضد هذه الإمبريالية والرأسمالية!
إن من المؤسف حقا أن أول من قام بهذه الدعوى، وسبق الدكتور فؤاد زكريا إليها، كاتب مبتذل من كتاب إحدى المجلات الأسبوعية، وقف على أبواب كل الحكام، وأثبت ومجد كل شيء قالوه ... وقد نقله عنه وتبعه رتل من الكتاب الساقطين، وجعلوا منه حجة ثابتة في صحبة اليمين.
وإذا كان الدكتور الفيلسوف قد ارتضى أن ينقل هذه الفرية ويرفعها إلى مصاف الحجج الفكرية على فساد الاشتراكية وفشلها، فإننا نسأله: وفق أي منهج وأي منطق؟ ولا بد أن يقدم لنا الدكتور بجرأته وموضوعيته تحليلا كاملا لظاهرة استقبال نيكسون، وكيف تنتهي إلى هذه النتيجة!
على أن الأجدى من هذا أن نعود إلى موضوعنا.
إن عبد الناصر لم يقل ولا أحد من الناصريين الماركسيين أن الناصرية قد أقامت المجتمع الاشتراكي النموذجي في مصر وقدمت الحلول المثالية لكل المشاكل، أو حققت كل الآمال التي عقدت عليها، ولكن ما يؤيدونه ويؤكدونه هو أن الاشتراكية هي الطريق الصحيح والوحيد، وأن الاشتراكية طريق عسير وكفاح متصل من أجل تعميق الفكر وتصحيح التطبيق المستمر.
وما أيده الناصريون والماركسيون وكل الوطنيين المستفيدين، ولا بد أن يؤيدوه دائما، هو أن الثورة حينما كان عليها أن تختار اختارت الاشتراكية، وأعلنت في ميثاق وطني عام بينها وبين الشعب أن الاشتراكية التي تختارها هي الاشتراكية العلمية، لا اشتراكية شكلية أو مجرد واجهة وشعارات، وإنما اشتراكية تؤمم المواقع الرئيسية للثروة، وتعترف بالصراع الطبقي، وتبدع طريقا خلاقا وسليما لمواجهته.
وقد قامت الاشتراكية المصرية في مجتمع معقد، هو أقدم المجتمعات الطبقية في التاريخ، وكياناته وعلاقاته ورواسبه الطبقية قديمة قدم الصراع الإنساني كله.
وقامت الاشتراكية المصرية في قلب منطقة تستميت الرأسمالية العالية لكي تبقى في فلكها، من أجل البترول والاستراتيجية الكونية، وتفعل أي شيء في سبيل ألا تقوم أو تنجح اشتراكية فيها. وخاصة في أهم دولها.
صفحه نامشخص