أصاحبنا: ما رأينا أحدا قطّ أبلّ ريقا، ولا أتمّ نفسا، ولا أربط جأشا، من أبي أسيد عمرو هدّاب، كانوا عنده والناس يعزّونه على ذهاب بصره إذ مثل أبو عتّاب الجرّار [١] بين يدية، وهو مثل المحجوم [٢] وأبو عتّاب هو إبراهيم بن جامع بن مصاد [٣] مولى بلعدويّة- فقال: يا أبا أسيد، لا تحزن على ذهابهما، فإنّك لو قد رأيت ثوابهما في ميزانك لقد تمنّيت أن يكون الله قد قطع يديك ورجليك، ودقّ ظهرك، وأدمى ظلفك [٤] ! قال: فلم يبق من القوم أحد إلّا استغرب ضحكا، أو صاح بأبي عتّاب وأراد إسكاته إلّا أبا أسيد نفسه، فإنّه لم يتغيّر لذلك، ولم يظهر منه قبول ولا إنكار، وأقبل على القوم فقال: يرعى له حسن نيّته، ويلغى سوء لفظه.
قالوا: ثم ما لبثنا إلا يسيرا حتّى دخل أبو الشعثاء العنزي [٥] وعليه
_________
[١] ٣: ٣٥/٥: ١٦٧ حيث ورد هذا الخبر. وأبو أسيد: كنيته عمرو بن هداب بن سعيد بن مسعود بن الحكم بن عبد الله بن مرثد بن قطن بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك ابن عمرو بن تميم، كما في جمهرة ابن حزم ٢١٢. ولي فارس لمنصور بن زياد. والخبر التالي في الحيوان ٥: ١٦٧ وبعض منه في الحيوان ٣: ٣٥، وعيون الأخبار ٢: ٤٨ وانظر ما أثبت في حواشي الحيوان.
[١] أبو عتاب، هو إبراهيم بن جامع، كما سيأتي.
[٢] في الحيوان في الموضعين: «وكان كالجمل المحجوم» . والمحجوم: الذي وضع على فمه الحجام لئلا يعضّ، فصوته حينئذ أقوى صوت. وجاء في حديث ابن عمر، وذكر أباه:
«كان يصيح الصيحة يكاد من سمعها يصعق، كالجمل المحجوم» . والحجام، ككتاب: شيء يجعل في فم البعير أو خطمه.
[٣] مصاد بفتح الميم وضمها مع تخيف الصاد، كما في القاموس، وإن تك قد ضبطت في الأصل مشددة الصاد. وفي الحيوان: «من آل أبي مصادر» .
[٤] كذا في الأصل، وهو يطابق ما ورد في نسخة ل من الحيوان ٣: ٣٥/٥: ١٦٧ ويروى: «ضلعك» بالضاد والعين، كما يروى: «صلعك» بالصاد المهملة.
[٥] في المستطرف ٢: ٢٧١ أن اسم الشاعر «طريف» .
1 / 66