اعلم أن الله -سبحانه وتعالى- لا يكلف المكلف شيئا إلا وقد سهل له سبله وأزاح عنه -تقدس وتعالى- علله حتى يصير المكلف متمكن من فعل ذلك الشيء أو تركه الذي كلف فعله أو تركه اختيارا لا بجبر من أحد يجبره على أيهما، بل أقدره -سبحانه وتعالى- عليهما بخلق الآلات التي من جملتها القدرة التي يتمكن بها من فعل الشيء أو تركه بعد إرادة له سابقة مترددة عليهما بمعنى أنه يمكنه أن يفعل أيهما شاء على سبيل البدل أو يترك أيهما شاء كذلك على سبيل البدل وداعيته مترددة بين الأمرين، ثم هداه النجدين [24أ-أ] ليتميز له غاية الأمرين، بعد أن نصب له دلائل ظاهرة، وأخرى مفتقرة إلى النظر وإمعان الفكرة، ليحصل له معرفة حسن الحسن، وقبح القبيح، أولا بحجة عقله، ثم تكشف له دلائل الشرع بما تخرجه عن جهله فكيف بعد ذلك إما شاكرا وإما كفورا .
قلت: قلت: وهذه الجملة هي معنى التكليف إذ حقيقته على تسامح وعدم مشاحجة مشاحج تكليف من عدل حكيم رؤوف رحيم، واجب الطاعة ومستحق العبادة لكل عاقل قادر غير معذور، بأمور شاقة مخصوصة أوجب سبحانه إتيانها وامتثالها اختيارا لا اضطرارا على أوجه مخصوصة (اعتقادا وقولا وعملا أو أيها، نوة منه ونهى سبحانه وتعالى عن مقبحات)(1) مشتهيات لذيذة أوجب الانتهاء عنها وتركها على كل عاقل قادر غير معذور اختيارا لا اضطرارا ولا ملجئ إلى أيهما لحكمة ظهر لنا حسنها أم خفى علينا لصحة عدله وحكمته تقدس وتعالى.
صفحه ۷۸