إن خطورة مثل هذا الكتاب وشدة الحاجة إليه لتتضاعف في هذا العصر المادي المجرم، عصر الغثاء والحثالة، الفاسد أهله - إلا من استثناه الله، وقليل جدا ما هم - عصر طغيان الشهوات البهيمية، عصر الكفر والإلحاد والبدع والضلالات، عصر الفتن والمحن، عصر الحضارة الممهدة للدجال، عصر سيطرة اليهود أعداء الأنبياء على أهل الأرض، عصر المعيشة الضنك نعوذ بالله منها، عصر حب الدنيا وكراهية الموت، عصر عبيد الدرهم والدينار والزوجة والقطيفة.
إن آثار سلف هذه الأمة الصالحين وأخبار علمائها المتقدمين العاملين وحكايات عبادها المتقين العالمين وزهادها الثقات المأمونين جواهر غالية لا يكاد يستغني عنها إلا محروم وأعلاق نفيسة لا يكاد يعرض عنها إلا جاهل مغبون، وكواكب هادية في ليل حالك لا يكاد يغمض عينيه عن نورها إلا خاسر هالك.
فاقبل عظات السلف وعلومهم وأقبل عليها وعض عليها بناجذيك واعلم أن من رغب عن آثار السلف ووصاياهم فقد زهد في غير زهيد وأراد تناوش الخير من مكان بعيد، وأبطأ السير واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وإذا انتسب إليهم فنسبته زور، وإذا حسب أنه على سبيلهم فجاهل مغرور.
إن أخبار السلف الصالحين فوائد تشد إليها الرحال ونفائس يتنافس فيها الرجال، إنها ميزان منضبط يزن به المرء نفسه، وأعمال مستقيمة يعرض عليها المرء حقيقة أعماله، وأحوال صحيحة يعرف بها موضع حاله، وسراج منير يستهدي به المرء في حله وترحاله.
صفحه ۱۸