وعلى ذلك فهنا أمران مسلمان لا يصح لأحد إنكار واحد منهما :
1 إن لله سبحانه علما سابقا على كل شيء ، ومنه أعمال العباد ويعبر عنه بالقدر والتقدير.
2 الإنسان مخير في ما تتعلق به إرادته ومحكوم فيما هو خارج عن إطار إرادته. وللمسلم الواعي الجمع بينهما على وجه صحيح ، وسوف يوافيك بيان هذا الجمع عند البحث عن عقيدة الأشاعرة في كون الإنسان مسيرا لا مخيرا. (1)
وعلى ذلك فالاعتقاد بالتقدير والقضاء أمر لا يمكن لمسلم إنكاره كما أن حرية الإنسان في مجال التكليف مثله أيضا ، فإذا ما هو الذي وقع مثارا للنقاش؟
في النصف الثاني من القرن الأول بل قبله بقليل أيضا ، انتشر القول بالقدر حتى فرق المسلمين إلى قولين : إلى قدري وجبري ، ولكن قد عرفت أن القدرية مع أنها في اللغة بمعنى مثبتة القدر يرادمنه في المصطلح النافون للقدر.
لابدمن أن نقف مليا للتأمل في تشخيص النزاع بين الطرفين.
فنقول : إن التأمل في عقائد بعض العرب في الجاهلية يوحي بأنهم كانوا قائلين بالقدر ومثبتين له بشكل يستنتجون منه سلب المسؤولية عن أنفسهم وإلقاءها على عاتق القدر. وهذا التفسير كان رائجا بينهم وإن لم يعم الجميع ، يقول سبحانه : ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ). (2)
صفحه ۲۳۸