ومن كبار أعلام محدثي هذا القرن كذلك: أبو الوليد؛ سليمان الباجي (٤٠٣ - ٤٧٤ هـ)، له رحلة إلى الشرق -استغرقت ثلاثة عشر عامًا- جاور بمكة ثلاثة أعوام، لازم فيها أبا ذر الهروي، كما كانت له رحلة إلى مصر وبغداد وغيرهما من البلدان، وما عاد إلى بلاده حتى كان له القدم الراسخ في علم الحديث وعلله، والدراية الواسعة بعلم الجرح والتعديل، كما كان له إلمام بالفقه ودقائقه وأموره الخلافية.
قال عنه تلميذه أبو علي الصدفي: (ما رأيت مثل أبي الوليد الباجي، وما رأيت أحدًا على هيئته وسمته وتوقير مجلسه، وهو أحد أئمة المسلمين). لأبي الوليد الباجي مؤلفات جليلة منها: "التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح". (١)
وعلي رأس حفاظ المحدثين المغاربة في هذا القرن: أبو علي الحسين بن محمد الغساني الجياني (٤٢٧ - ٤٩٨ هـ)، من شيوخه الذين أخذ عنهم، وتخرج على أيديهم: أبو عمر بن عبد البر، وأبو عمر بن الحذاء، وأبو الوليد الباجي. اهتم أبو علي الجياني بالحديث وكتبه، واشتهر بضبط رواياته مع المعرفة الكاملة بغريب اللغة والشعر والأنساب.
وترك من المؤلفات ما يشهد بعلو كعبه في علوم الحديث أمثال: تقييد المهمل وتمييز المشكل في رجال الصحيحين (٢)، وكذا: التنبيه على الأوهام الواقعة في المسندين الصحيحين، وغيرهما.
ومن حفاظ الحديث ذوي المكانة العالية كذلك: الحافظ أبو علي حسين الصدفي السرقسطي (٤٥٤ - ٥١٤ هـ)، له رحلة إلى المشرق استغرق فيها تسع
_________
(١) قام الأستاذ أحمد لبزار بتحقيق ودراسة كتاب: التعديل والتجريح، للباجي لنيل دكتوراه الدولة. وقد تم طبعه.
(٢) قام الأستاذ الفاضل الدكتور محمد أبو الفصل بتحقيق ودراسة وتوثيق قسم من "تقييد المهمل وتمييز المشكل"، وهو: شيوخ البخاري المهملون. للحافظ أبي علي الحسين بن محمد بن أحمد الغساني، الجياني.
الدراسة / 30