وكانت جفوتها تزول شيئا فشيئا، وبقدر ما كنت أتذلل إليها وألاطفها كان غضبها يقل، وينحل، ثم عدت للحديث، فقلت: أرى على وجهك هيئة امرأة تحسبني أمثل رواية وتظن أني أستخف بالحب، فاسمحي لي يا سيدتي أني أركع على قدميك وأشرح لك ما قاسيته من العذاب في محاربة أميالي ... وإذا كنت امتنعت عن تلبية طلبك فيما مضى وفضلت أن أتعذب عذابا اختياريا؛ فذلك لأني لم أشأ أن أبادلك عواطف قلبي في عربة معرضة لأبصار المارة، فإذا كنت مخطئا فسامحيني، ثم إني تراميت على أقدامها وملأت يدها بالقبل الحرى، وقلت بصوت يقطعه خفقان القلب وزفرات الفؤاد: أستحلفك بالحب وآياته، وبالطبيعة وكل شيء جميل بألا ترفضي قلبا أقدمه لك على كفي، وأن تقبلي حبا سعى إلينا من نفسه دون أن نسعى إليه.
وكأنها رثت لحالي، فأخذت يدي وقالت: قف يا حبيبي، فربما يباغتنا أحد على هذه الحال، فارتميت عليها وقبلتها، فقبلتني قبلة اقشعر لها جسمي وجسمها:
قبلتها ودموعي مزج أدمعها
وقبلتني على خوف فما لفم
قد ذقت ماء حياة من مقبلها
لو صاب تربا لأحيا سالف الأمم
ثم جلست على المقعد وقد دار ماء الحياء في وجهها المشع الإلهي، فقالت: اذهب يا حبيبي، فقد طالت زيارتك وأخاف أن يتنبه الخدام. فقلت: سمعا وطاعة، ولكن متى أجيء إليك بإرادتك التامة؟ ومتى تفتحين لي إنجيل الغرام الذي كان ممنوعا علي؟ فوقفت ووضعت يدها على رأسها كأنها تحارب ميلين مختلفين، كل واحد يعمل لاكتساب إرادتها ثم قالت: أتكتم السر؟ قلت: كالقبر، قالت: أتكون مخلصا؟ قلت: جربيني. قالت: وإذا أخلصت:
فلك الله والأمانة والمي
ثاق أن لا نخونكم ما بقينا
ثم أن لا يزال حبك عندي
صفحه نامشخص