المحكك «١»، وإن كان النبي صلّى الله عليه وآله قد قال: «إياي والتشادق»، وقال: «أبغضكم إليّ الثرثارون المتفيهقون» «٢»، وقال: «من بدا جفا»، وعاب الفدادين والمتزيدين، في جهارة الصوت وانتحال سعة الأشداق، ورحب الغلاصم وهدل الشفاه، وأعلمنا ان ذلك في أهل الوبر أكثر، وفي أهل المدر أقل فإذا عاب المدري بأكثر مما عاب به الوبري «٣»، فما ظنك بالمولد القروي والمتكلف البلدي. فالحصر المتكلف والعيي المتزيد، ألوم من البليغ المتكلف لأكثر مما عنده. وهو أعذر، لأن الشبهة الداخلة عليه أقوى. فمن أسوأ حالا- أبقاك الله- ممن يكون ألوم من المتشدقين، ومن الثرثارين المتفيهقين، وممن ذكره النبي صلّى الله عليه وآله نصا، وجعل النهي عن مذهبه مفسرا، وذكر مقته له وبغضه إياه.
[لثغة واصل بن عطاء وأخباره]
ولما علم واصل بن عطاء «٤» أنه ألثغ فاحش اللثغ، وإن مخرج ذلك منه شنيع، وأنه إذا كان داعية مقالة، ورئيس نحلة، وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النحل وزعماء الملل، وأنه لا بد له من مقارعة الأبطال، ومن الخطب الطوال وأن البيان يحتاج إلى تمييز وسياسة، وإلى ترتيب ورياضة، وإلى تمام الآلة وإحكام الصنعة، وإلى سهولة المخرج وجهارة المنطق، وتكميل الحروف وإقامة الوزن، وإن حاجة المنطق إلى الحلاوة والطلاوة، كحاجته إلى الجزالة والفخامة، وإن ذلك من أكثر ما تستمال به القلوب، وتثنى به الأعناق، وتزين به المعاني، وعلم واصل أنه ليس معه ما ينوب عن البيان التام، واللسان
1 / 36