وقد سبق علماء التربية في العصر الحديث إلى دراسة تعددية اللغة وأدرك قبل جان جاك روسو ودكرولي أن اجتماع لغتين أو أكثر على لسان واحد يسيء إليهما معا فلا يستطيع المتكلم بهما أن يتضلع منهما أو يأمن تنازعهما إياه «١» .
ومعنى ذلك أن اللغة الأم تشكل طريقة التفكير لدى الطفل الذي يكتسب اللغة، وليس للفكر سوى طريقة واحدة. وإذا حاولنا تعليمه لغتين أو أكثر تنازعت هذه اللغات السيطرة على تفكيره ونافست اللغات الأخرى في أن تكون هي طريقة التفكير عنده. ولذا نصح دكرولي بأن لا نعلم الطفل قبل العاشرة سوى لغته الأم خشية أن تحل محلها لغة أجنبية أخرى.
عدا البيان وفلسفة اللغة عالج الجاحظ في كتابه موضوعين آخرين هما الزهد والشعوبية.
وقد استأثرت حركة الزهد باهتمام الجاحظ فتكلم عليها في أجزاء الكتاب الثلاثة. في الجزء الأول أورد مجموعة من مواعظ النساك، وفي الجزء الثاني ذكر أسماء الزهاد الذين عرفوا بالبيان أمثال عامر بن عبد القيس، وصلة ابن أشيم، وعثمان بن أوحم، ومؤرق العجلي، ومالك بن دينار، ويزيد الرقاشي، ورابعة القيسية، ومعاذة العدوية، وأم الدرداء الخ. كما أتى على ذكر بعض المتصوفة أمثال هاشم الأوقص، وأبي هاشم الصوفي، وصالح بن عبد الجليل. وفي الجزء الثالث كرس للزهد بابا واسعا أثبت فيه قدرا كبيرا من أقوالهم ومواعظهم؛ وأهم هؤلاء الزهاد الحسن البصري الذي أكثر من ذكر أقواله ومواعظه؛ ثم أبو حازم الأعرج، وأبو عبد الحميد، وعمر بن عبد العزيز، وعمرو بن عبيد أحد مؤسسي الاعتزال، وعلي بن أبي طالب، ومحمد الباقر. ولا ينسى الشعراء الذين نظموا أشعارا في الزهد أمثال أبي العتاهية وأبي نواس والطرماح بن حكيم.
1 / 22