الخليل بن أحمد لأوزان القصيد وقصار الأرجاز ألقابا لم تكن العرب تتعارف على تلك الأعاريض بتلك الألقاب، وتلك الأوزان بتلك الأسماء، كما ذكر الطويل والبسيط والمديد والوافر والكامل وأشباه ذلك، وكما ذكر الأوتاد والأسباب والخرم والزحاف. وقد ذكرت العرب في أشعارها السناد والاقواء والاكفاء، ولم أسمع بالايطاء. وقالوا في القصيد والرجز والسجع والخطب، وذكروا حروف الروي والقوافي، وقالوا: هذا بيت وهذا مصراع ... وكما سمى النحويون فذكروا الحال والظروف وما أشبه ذلك؛ لأنهم لو لم يضعوا هذه العلامات لم يستطيعوا تعريف القرويين وأبناء البلديين علم العروض والنحو.
وكذلك أصحاب الحساب قد اجتلبوا أسماء جعلوها علامات للتفاهم» «١» .
وقد شعر الجاحظ بثقل الحمل الذي حملته اللغة العربية عند ما نقلت إليها مختلف العلوم المعروفة في اللغات اليونانية والفارسية والهندية، ودعا إلى عدم تكليف اللغة ما ليس في طاقتها، وقد عبر عن ذلك بقوله: «وليس ينبغي أن نسوم اللغات ما ليس في طاقتها ونسوم النفوس ما ليس في جبلتها، ولذلك يحتاج صاحب المنطق إلى أن يفسره لمن طلب من قبله علم المنطق» «٢» .
ويشير الجاحظ إلى حركة الترجمة التي نشطت في عصره ويرى أن الترجمان يجب أن يكون عالما باللغة المنقولة والمنقول إليها «٣» . ويرى أن الشعر لا يترجم وإذا ترجم ذهب سحره وتقطع نظمه وبطل وزنه وذهب حسنه «٤» .
وثمة ناحية أخيرة عالجها الجاحظ هي تعلم اللغة. وقد رأى أن ثمة صعوبات تعترض المتعلم ترجع إلى طبيعة اللغة ذاتها وكثرة مفرداتها وثقل مخارجها، كما ترجع إلى جهل المتكلم بمدلولاتها. ولكن أعون الأسباب على تعلمها فرط الحاجة إليها «٥» .
1 / 21