وأخطأ في المعنى كما أبطل في الدعوى.
وتلك سبيل مقالات المتكلفين وعاقبة دعاوى المبطلين.
قلت في إعجاز القرآن وجهًا آخر ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ من آحادهم، وذلك صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلامًا غير القرآن منظوما ولا منثورا، إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه، تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها الوجيب والقلق، وتغشاها الخوف والفرق، تقشعر منه الجلود وتنزعج له القلوب، يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها؛ فكم من عدو للرسول ﷺ من رجال العرب وفتاكها أقبلوا يريدون اغتياله وقتله فسمعوا آيات من القرآن، فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الأول، وأن يركنوا إلى مسالمته، ويدخلوا في دينه، وصارت عداوتهم موالاة، وكفرهم إيمانا.
خرج عمر بن الخطاب ﵁ يريد رسول الله ﷺ ويعمد قتله، فسار إلى دار أخته وهي تقرأ سورة طه، فلما وقع في سمعه لم يلبث أن آمن. وبعث الملأ من قريش عتبة بن ربيعة إلى رسول الله ﷺ ليواقفوه على أمور أرسلوه بها، فقرأ عليه رسول الله ﷺ آيات من حم السجدة، فلما أقبل عتبة وأبصره الملأ من قريش
1 / 70