وإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفناه فقد علم أنه ليس المفرد بذَرَبِ اللسان وطلاقته كافيًا لهذا الشأن، ولا كل من أوتي حظًا من بديهة وعارضة كان ناهضًا بحمله ومضطلعًا بعبئه ما لم يجمع إليها سائر الشرائط التي ذكرناها على الوجه الذي حددناه، وأنى لهم ذلك ومن لهم به؟ و﴿لئن اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضِ ظهيرًا﴾.
وأما ما ذكروه من قلة الغريب في ألفاظ القرآن بالإضافة إلى الواضح منها، فليست الغرابة مما شرطناه في حدود البلاغة، وإنما يكثر وحشي الغريب في كلام الأوحاش من الناس، والأجلاف من جفاة العرب، الذي يذهبون مذهب العنجهية، ولا يعرفون تقطيع الكلام وتنزيله والتخير له، وليس ذلك معدودًا في النوع الأفضل من أنواعه. وإنما المختار منه النمط الأقصد الذي جاء به القرآن، وهو الذي جمع البلاغة والفخامة إلى العذوبة والسهولة. وقد يعد من ألفاظ الغريب في نعوت الطويل نحو من ستين لفظة أكثرها بشع شنع. كالعشنَّق، والعَشَنَّط، والعطنَّط، والشوقب والشوذب والسلهب، والقوق، والقاق، والطوط والطاط. فاصطلح أهل البلاغة على نبذها وترك استعمالها في مرسل الكلام، واستَثْقَلوا الطويل. وهذا يدلك على أن البلاغة لا تعبأُ بالغرابة ولا تعمل بها شيئَا.
فإن قيل: إنا لا نسلم لكم ما ادعيتموه من أن العبارات الواقعة في
1 / 37