البشر ولا يجوز أن تأتي عليها قدرته، وإن كان أفصح الناس وأعرفهم بطرق الكلام وأساليب فنون البيان، وذكرنا العلة في ذلك، وبينا المعنى فيه، ولم نقتصر فيما اعتمدناه من البلاغة لإعجاز القرآن على مفرد الألفاظ التي منها يتركب الكلام دون ما يتضمنه من ودائعه التي هي معانيه، وملابسه التي هي نظوم تأليفه.
وقد قال بعض العلماء في الأسماء اللغوية وهي نوع واحد من الأنواع الثلاثة التي شرطنا أنه لا يجوز أن يحيط بها كلها إلا نبي؛ وقد كان عمر ابن الخطاب ﵁ وهو من الفصاحة في ذروة السنام والغارب - يقرأ قوله ﷿: ﴿وفاكهة وأبَّا﴾ فلا يعرفه فيراجع نفسه ويقول: ما الأبّ؟ ثم يقول: إن هذا تكلف منك يا ابن الخطاب. وكان ابن عباس ﵀ وهو ترجمان القرآن ووارث علمه - يقول: لا أعرف حنانًا ولا غسلين ولا الرقيم. هل في اللغة التفث في شيء من كلام العرب؟ وإنما أخذوه عن أهل التفسير على ما عقلوه من مراد الخطاب.
فأما المعاني التي تحملها الألفاظ فالأمر في معاناتها أشد لأنها نتائج العقول وولائد الأفهام وبنات الأفكار.
وأما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر لأنها لجام الألفاظ وزمام المعاني وبه تنتظم أجزاء الكلام، ويلتئم بعضه ببعض فتقوم له صورة في النفس يتشكل بها البيان.
1 / 36