قهرمان فاتح، ابراهیم و فتح شام ۱۸۳۲
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
ژانرها
لما نظم إبراهيم باشا سوريا، أتيح للأجانب ولقناصل الدول أن يكونوا أحرارا في تلك البلاد، وأن يتجروا بلا عائق ولا مانع مع أن تجارتهم كانت محصورة ببعض الموانئ، ولكن القناصل الذين اتخذوا الامتيازات تكأة لهم ألفوا من أنفسهم دولة في الدولة، وكانوا يعطون الحماية لمن أرادوا. وبما أن متاجر الأجانب كانت تدفع 3 بالمائة ومتاجر الرعاية كانت تدفع 20 بالمائة، فقد أخذ القناصل أكثر التجار تحت حمايتهم ليعفوا من زيادة الرسوم الجمركية، وكان هم الإنكليز على وجه التخصيص أن ينقصوا دخل الحكومة المصرية حتى لا تستطيع الإنفاق على جيشها وأسطولها فتضعف، فاتهمت محمد علي بأنه يحتكر الحاصلات، واستصدرت من الباب العالي أمرا بمنع الاحتكار. وكان بعض القناصل الذين لم يدخلوا سوريا قبل الحكومة المصرية يدسون الدسائس السياسية لهذه الحكومة، كالقنصل الإنكليزي فارين في دمشق وزميله فري في حلب، معتمدين في ذلك على الموظفين الترك الذين عزلوا من الخدمة، وعلى قبائل البدو التي كانت تتناول قبل الحكم المصري الحوة من الحضر والقرى القريبة من البادية، ومن قوافل التجار التي تمر بالبادية، ومن النصارى واليهود.
وفي سنة 1834 أرسل سفير إنكلترا في الآستانة إلى سوريا ترجمان السفارة ريتشردوود، لإثارة الأهالي ضد الحكومة المصرية، فلما وصل إلى لبنان اتخذ الخوري أرسانيوس الفاخوري أستاذا له ليلقنه اللغة العربية، وكان ذلك الخوري (القسيس) من علمائهم المشهورين. واتخذ كسروان في وسط لبنان مركزا لعمله، فصرف هناك سنتين كاملتين في تلقي اللغة العربية في الظاهر وفي دس الدسائس في الباطن. وتربة لبنان كانت معدة لذلك؛ لأن إبراهيم لم يف بوعده للبنانيين باحترام استقلالهم، فضرب عليهم الضرائب ونزع سلاحهم، فغضبوا لاستقلالهم القديم. ولما هيأ الأفكار انتقل إلى جهة أخرى للغرض ذاته، ولكن هاله توطيد مركز حكومة محمد علي في سوريا، فكتب إلى حكومته يقول: «إن كل يوم ينقضي يزيد في قوة محمد علي، فلا مندوحة عن الإسراع في العمل لإضعافه وهدم سلطته.» ولكن محمد علي كان بعد إخماد فتن سوريا مصمما على إعلان استقلاله؛ لأنه «لا يفهم كيف يكون التابع أقوى من متبوعه ويظل خاضعا لإرادته؟ أو كيف يقبل أن يؤلف ملكا عامرا ثم يتركه لأحد الولاة يأتي من إستامبول بعد مدة فيهدمه.» وكان محمد علي قد تعهد بأن يدفع للباب العالي عن الأملاك التي يملكها 32 ألف كيس، ولكنه لم يدفع شيئا من هذه الجزية، فسافر إلى السودان فقالوا إنه فعل ذلك ليتهرب من دفع الجزية وليبحث عن معادن الذهب، فلما عاد من السودان قالوا إنه وعد الباب العالي بدفع ثلاثة ملايين جنيه إذا هو اعترف باستقلاله. وكانت فرنسا تقول معه بهذا الاستقلال وأن يكون الحكم وراثيا في بيت محمد علي.
ولكن إنكلترا اقترحت على الدول - فرنسا وروسيا والنمسا وبروسيا - أن تتفق كلمتها جميعا، على أن تمنع محمد علي عن أي عمل يقدم عليه ضد سلطة السلطان محمود. ولما أنذرته الدول قال إنه يقصر طلبه على أن يكون الحكم وراثيا في أسرته، ولكن الباب العالي الذي كان يستند إلى ذراع إنكلترا اقترح على الدول أن يعين لمحمد علي معاشا كبيرا مدى الحياة، وأن يعطيه قصرا للسكنى على ضفاف البوسفور.
ولكي تتم إنكلترا تطويق قوات محمد علي بعد إنذاره بألا يمس بلاد الحبش، وبألا يتفق مع والي طرابلس الذي عصا الباب العالي، احتلت في 19 يناير سنة 1839 فرضة عدن؛ لتكون هي في الشمال وتركيا في الجنوب، وتبعده عن بلاد وسواحل البحر الأحمر. وعد الفرنساويون هذا الاحتلال بمثابة المقدمة لاحتلال مصر عندما يحين الوقت، وفي ذلك الحين عرضت إنكلترا على الباب العالي إبرام معاهدة ينص فيها على أن إنكلترا تنضم إلى الباب العالي إذا كان محمد علي أو أحد خلفائه يقدم على إعلان استقلاله أو يقوم بعمل عدائي ضد الباب العالي.
وبينما كانت السياسة الأوروبية في شغل شاغل لمنع الحرب والقتال، كان الباب العالي يحشد قوته منذ سنة 1834 في جهة سيواس .
وكان يتولى تدريب هذا الجيش الجديد الضباط البروسيون: ملباخ، وفيشر، وفون، ونك، والبارون فون مولتك، وآخرون، ويتولى القيادة العليا محمد رشيد باشا الذي قهره إبراهيم في قونيه وأخذه أسيرا. أما إبراهيم فإنه - كما قلنا - جعل أكثر قواته على الحدود ليرقب القوات التركية. وحدث أن الكرد ثاروا على الترك، فنهض رشيد باشا بقسم من جيشه لإخضاعهم، فتوفي بحمى التهاب النخاع الشوكي، فخلفه في قيادة الجيش التركي حافظ باشا الذي أخضع الثوار، ولكن الباب العالي ظل يرسل الإمداد تباعا، فأدرك إبراهيم ومحمد علي موطن الخطر، فأخذ محمد علي يرسل الإمداد لولده ويعد الأموال اللازمة للإنفاق، حتى إنه حول إلى نفقات الجيش المال الذي أعده لإنشاء مصرف زراعي.
وبدأ حافظ باشا يتحكك بإبراهيم بمنعه القوافل من اجتياز خط الامتياز - أي الحدود - وتحريم المعاملات التجارية مع سوريا. وفي 23 أبريل اجتازت ثلاثة آلايات تركية نهر الفرات إلى بيره، وأخذت تحفر الخنادق في بيره وهي على مسيرة بضع ساعات من خط الامتياز، فأرسل إبراهيم الخبر إلى والده، وأرسل إلى الأمير بشير بأن يتولى حفظ الأمن وخطوط المواصلات في جهة حمص، وأرسل قوة إلى عينتاب لرقابة الترك، وأرسل محمد علي وزير جهاديته أحمد المنيكلي باشا مع الأمداد اللازمة لإبراهيم، ولما ألح القناصل على محمد علي بأن يحافظ على السلم ويدفع الجزية المتأخرة للسلطان ويظل في طاعته، رد عليهم بأنه يجيب الطلب ويعيد ابنه إبراهيم إلى دمشق إذا انسحبت عساكر حافظ باشا من بيره، وتقهقر جيش هذا القائد إلى ما وراء ملطية، وضمنت له الدول السلم، وساعدته على أن يكون الحكم وراثيا في سلالته؛ بعد أن تجيب الدول هذه المطالب يسحب 80 ألفا من جيشه المعسكر في سوريا. ولكن المسعى لم يجد نفعا، فإن حافظ باشا زحف بجيشه على الأراضي السورية، وعبر الفرات في 17 مايو سنة 1839، وعسكر في ضواحي نصيبين، ثم أرسل قوة من الفرسان احتلت بعض القرى السورية، وتقدم القائد العثماني الثاني سليمان باشا واحتل قرى عينتاب حول القلعة المعسكرة فيها الحامية المصرية، ثم أخذ القواد العثمانيون يحرضون السوريين على الثورة ضد إبراهيم، ويوزعون عليهم السلاح والذخائر والمال.
واجتاز الترك نهر الساجور، وهاجموا 500 فارس من عرب الهنادي المصريين بقيادة معجون محمد، فانهزم فرسان الهنادي تاركين بيد الترك 70 أسيرا ما عدا القتلى، فنهض إبراهيم من جانب ومعه سبع فرق من الخيالة و12 بطارية سيارة، وأرسل إلى سليمان باشا الفرنساوي بأن يلحق به مع جيشه، وهو 13 فرقة من المشاة و15 بطارية.
وفي 3 يونيو وصل إبراهيم إلى قبالة القرى التي احتلها الترك من الأراضي السورية، فأخلوها بلا قتال، فكتب إبراهيم باشا في 8 يونيو سنة 1839 إلى حافظ باشا قائد الجيوش التركية كتابا قال فيه:
إذا كنتم يا صاحب السعادة تلقيتم الأمر بإعلان الحرب، فما فائدة الاسترسال في بث الدسائس وتحريك الفتن؟ وإذا كنتم تودون القتال، فهلموا إلى ميدانه بصراحة وإقدام، وأملي أن لا يفوتكم في هذه الحالة أن تعرفوا أنكم تقاتلون أبطالا لا يعرف الخوف سبيلا إلى قلوبهم. أما الدسائس التي تمضون في تدبيرها، فإنها ليست مما يطاق احتماله طويلا.
صفحه نامشخص