قهرمان فاتح، ابراهیم و فتح شام ۱۸۳۲

داود برکات d. 1352 AH
130

قهرمان فاتح، ابراهیم و فتح شام ۱۸۳۲

البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢

ژانرها

أنا مصري من الذين تهزهم شعائر الوطن، وددت اليوم لو حشد المصريون ليروا ساعات الحفل في ميدان إبراهيم وقد وقف حفيده تحت قاعدة التمثال ومن حوله عصبته وأهل دولته وقادة جيشه والصفوة من جنوده، ومن ورائهم أفراد الرعية حافين بالعرش وحملته، زخرت بهم الشوارع وملئت بهم النوافذ، ورئيس الحكومة بين يدي مولاه يشدوا بمآثر أسرته، والعسكر يمتطون الجياد شاهري السيوف شاكي السلاح كاملي العدة، أبواقهم تضرب نوبة المساء مثل بوق الأسلاف في أسوار عكا واقتحام حصونها. منظر عجيب كفيل بالروح والإحساس، وبمثله تغذى أرواح الشعوب والأمم، ومنظر يهز المصري من عطفيه؛ عطف النصر وعطف الفخر بالنصر؛ إذ كانت فعلات أجدادهم بكرا لم يطمثها من رامها قبله. فإن سيد الحرب في الغرب رام أن يفتح عكا، فعزت عليه عكا فتركها على مضض، أما سيد الحرب في الشرق فإنه رام ونال المرام. وينتشر في العين منظر يغشى جند الميدان بطابع رأيته على قيد خطوات في الأوبرا أمام الميدان؛ إذ تمثل فيها رواية عائدة المصرية، فيرى الراءون جنود أسلافهم وقد جاءوا بالنهائب والسبايا، ولا فخر، فالولد سر أبيه. •••

وتصفحت الوجوه لأرى الكاتب الذي نشر «ذكرى البطل الفاتح إبراهيم باشا» وأرى فيه روح النصر للقلم وقد خدم السيف بإحياء رب السيف، فإذا بأحياء السلف يستجيبون للكاتب قياما على فضل القلم. تنظرت الوجوه لأرى داود بركات وهو أولى من حقه أن يرى حفل اليوم فلم أجده، وقيل إنه في الفراش كان مدد قوته في تذكير أمته نفد به الوجد عن طاقة الاستعداد، فهو يستجم لعود المداد، وهكذا رجال الضحية من حملة السيف وحملة القلم إنما يعيشون بالذكرى أكثر مما يعيشون بالأعصاب. •••

وكان مما رأيت عمائم مجنحة فوق طيالس منشرة ذكرتني برواية الكاتب عن سحر محمد علي إذ نفث في القوم حتى هب شيوخ القوم يعتقلون السمهري بدل العكاز، ويستلئمون بالمغفر عن العمامة، ويدرعون الزرد من دون الفراريج، فعدلنا أسماء من شيوخ الأزهر وأبناء شيوخه تطوعوا في جده وطوعوا غيرهم تحتهم، فرقاهم الباشا في صفوف العسكرية إلى رتب القائمقام والأميرالاي واللواء. وقرأنا حديثه عن الشيوخ المتأخرين كما نقرأ حديث السلف الصالح عن شيوخ الصحابة وجلة أهل العلم وكانوا يعلمون ويعملون، ويعظون ويجاهدون ويسلكون دروب الحياة كلها مقتدين بالسيد الأعظم الذي قال وقوله الحق: «وجعل رزقي في ظلال رمحي.» •••

وخاتمة المقال بتكرير آية المجد ارتداء إبراهيم ببني مصر وهو عائد من حروب الشام وقد جعل جيشه ثلاث شعب، فنجت الثلاث الشعب على عيون الأعداء وسهر الكمياء مثلما ارتد خالد بن الوليد بالمسلمين في غزوة مؤتة من مكان قريب مما ارتد إبراهيم، فاستحق بحركته من رسول الله

صلى الله عليه وسلم

لقبه الخالد في الإسلام «خالد سيف الله»، وكذلك شهد للعظيم إبراهيم كل عظيم في زمنه بحركته. •••

لم يطو لمصر علم ولا هزم جيش مصر - ولها قائد - في موقعة. ولم يترك إبراهيم بلاد الشام التي فتحها بسيف المصريين أمام دولة واحدة ولا دولتين ولا ثلاث دول، ولكن تجمع عليه أولو القوة من بني الدنيا جميعا: إنكلترا، وبروسيا، والروسيا، والنمسا، وإيطاليا، وتركيا، وثوار الشام. فخلص من هذه الجهات الست خلوص العزة حين قضت عليه السياسة أن يترك ما بيديه؛ فلم يتركه إلقاء المضيم، ولكن تركه في عزة المستطيع ولين القوي. فاليوم يستطيع كل مصري أن يرى عزته عن كثب، وأن يرى كيف ينال العز بالشرف، وهو إذ يتمثل نصر العز ممتلئ الحياة بفيض العز يقول مع رئيس الحكومة إنه لا يبغي حربا، وإنما يطلب حياة تليق بصاحب هذا التاريخ.

ولله در الشماخ، لو أنه يرى اليوم «فؤادا» في حشده تحت تمثال جده وقد استظل بيده الممدودة تقول: «إلى الأمام»، إذن لأنشده بيته الخالد:

إذا ما راية رفعت لمجد

تلقاها فؤاد باليمين

صفحه نامشخص