بلاغة الغرب: أحسن المحاسن وغرر الدرر من قريض الغرب ونثره
بلاغة الغرب: أحسن المحاسن وغرر الدرر من قريض الغرب ونثره
ژانرها
21
اللذين وضعهما الرومان في مصاف الآلهة الصغيرة.
ثم أقبل الذئب وقعد باسطا ذراعيه منشبا أظافره في الرمل، ولما استيأس وخاب رجاؤه في النجاة؛ إذ سدت عليه طرائقه، أمسك أقوى الكلاب من رقبته بفكين قويين كأنهما قدا من حديد، وجالد قرنه جلاد المستميت، ولم يتركه رغما عما اخترم جسمه من رصاصنا المتدفق من بنادقنا كالمطر وخناجرنا المغمدة في أحشائه، ولم يزل ممسكا خصمه غير مبال بما أصابه؛ حتى دق عنقه وتركه جثة بلا روح، وكانت الخناجر الغائرة في جسمه أشبه بمسامير سمرته على الكلأ، وقد ارتوى العشب من دمه وتحيط به بنادقنا كرزايا قامت على سوقها، وما فتئ ناظرا إلينا وهو يلعق ما سال من دمه حول فمه، وبدون أن يتأمل كيف هلك أطبق عينيه ومات، ولم ينبعث منه صراخ ولا أنين.
أطرقت إلى الأرض مسندا برأسي إلى بندقتي مفكرا بغير وصول لغاية، إذ حدثتني النفس أن أقتفي الذئبة وجرويها التي كانت في انتظاره على ما أظن، ولولا ولداها لما تركت أرملتنا الجميلة الحزينة إلفها يحتسي وحده صاب المصاب، ولكن واجبها حتم عليها أن تحرس صغارها وتكلأها بعين عناينها ولتدربها على النفور من عهود المدن، التي ارتبط بها الإنسان مع الأنعام، التي استخدمها مهما أودى بها السغب؛ فتراها تطارد أمامه أول من امتلك الغاب والجبال لتحصل على ركن تأوي إليه.
أسفي حينما أفكر في الإنسان ولو طاولت عظمته السماء، فإني أخجل من ذكره لضعفه وخور عزيمته، وإنك وحدك أيتها العجماوات
22
الفخمة العظيمة التي تعرف كيف تفارق الدنيا وآلامها، وإن تأمل الإنسان وجد أن أفضل أعماله السكوت، وما سواه ضعف وخور.
لقد عرفت حقيقتك أيها السائح إذ اخترقت نظرتك الأخيرة أعماق قلبي، كأنها تقول لي بلسان فصيح: «إن استطعت أن تبلغ نفسك مبلغ روحي، فثابر على الاجتهاد والتأمل لتصل إلى هذه الدرجة القصوى من الجلد والصبر والإعجاب بالنفس، فإني ولدت في هذه الدحال ونشأت بها، وقد علمتني صروف الدهر أن الصراخ والعويل والتوسل لهي صفات الجبن والعجز، والواجب يقضي عليك أن تقوم بأعباء ما عهد إليك وكلفت به وناداك إليه حظك بعزيمة، تسبق العضب في المضاء مهما بلغ الأمر منتهاه من الشدة والمضض، وبعد اللتيا واللتي كن مثلي كاظما آلامك، ثم مت صامتا دون أن تنبس ببنت شفة.»
فرنسوا كوبيه1
نابغة من شعراء وروائيي العصر الفرنسيين ممن يفتخر بهم الشعر المطلق، ولد بباريس سنة 1842.
صفحه نامشخص