فمن أنواع الإنطلاق أن يقال بأن أي أحد كان ولو كان عاميا يجب عليه أن يستخرج الحكم بنفسه من الكتاب ومن السنة، ومن إجماع الأمة، وألا يتقيد بمذهب. هذا أمر عسير، لأن الناس لا يكلفون ما لا يستطيعون، وأنى لهذا العامي، وكثير من المسلمين لسانهم غير اللسان العربي لسان القرآن ولسان الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، لا يفهمون معاني القرآن وإن تلوا القرآن. وهذا العامي العربي أنى له أن يعرف الناسخ من المنسوخ، والمحكم من المتشابه، والمطلق من المقيد، والمجمل من المبين، والعام من الخاص، ويرد كل شيء إلى نصابه، فإلزام عوام الناس وجهلتهم أن يجتهدوا من غير أن تتوفر لهم القدرة على الإجتهاد أمر فيه إفراط، وذلك يؤدي وقد أدى فعلا إلى تنطع كثير من العوام على علماء المسلمين؛ إذا قرأ أحدهم حديثا لم يعرف في أي مناسبة قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك الحديث. أو تلا آية لم يعرف سبب نزول الآية انطلق وقال في الآية أو قال في الحديث برأيه. مع أن أجلة الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يتوقفون أن يفسروا القرآن بما تدلهم عليه عقولهم من غير أن يستندوا إلى ركائز ثابتة وأدلة يستضيؤن بها.
والجمود أيضا أن يقول القائل بأن الواجب على العالم أن يقلد من قبله، فإن من سبق كان أكثر علما وأوسع إطلاعا، وأطول باعا، وأعمق نظرا، وأرحب صدرا. نعم لا ينكر مقام السلف ولكن كل أحد متعبد إن أطاق الإجتهاد وقدر عليه ألا يقلد غيره، ولا تقليد إلا للمعصوم." ا.ه نقلا عن كتاب "ندوة الفقه الاسلامي" نشر وزارة العدل والأوقاف بسلطنة عمان ص (98 99)._) واحتاج إلى العمل أو الفتوى أو الحكم بما لم يرد به نص من الأصول الثلاثة.
وقوله:(هالك..الخ) أي من ابتدع حكما مع ورود أحد هذه الأصول فهو هالك؛ لأن مخالفتها حرام وضلال..ولما كان الاجتهاد في غيرها قد يكون جائزا، وقد يكون واجبا أشار إلى النوعين فقال:
( 34)(والرأي في غير الأصول جوزا وواجب أن نتحرى الأجوزا)
صفحه ۹۸