والحساب وَولى تدريس الخاصكية ودرس بهَا مُدَّة ثمَّ تَركهَا وَأَقْبل على الله وعَلى الاشتغال تَبَرعا وعَلى التصوف وَجلسَ في الْخلْوَة مُدَّة لَا يكلم أحدًا وَأخذ عَن جمَاعَة من أهل الطَّرِيقَة وَسمع من جمَاعَة فِي الحَدِيث وَغَيره حَتَّى صَار إِمَامًا فِي الْفِقْه وأصوله والعربية مشاركًا في الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْكَلَام وَغير ذَلِك مَعَ حرصه على سَائِر أَنْوَاع الطَّاعَات من صَلَاة وَصِيَام وتهجد ومرابطة بِحَيْثُ لم تكن تَخْلُو سنة من سنيه عَن إِقَامَة على جَانب الْبَحْر قَائِما بِالدُّعَاءِ إِلَى الله سرًا وجهرًا آخذًا على أيدي الظلمَة مؤثرًا محبَّة الخمول والشغف بِعَدَمِ الظُّهُور تَارِكًا لقبُول مَا يعرض عَلَيْهِ من الدُّنْيَا ووظائفها حَتَّى أَن الْأَمِير حسام الدَّين حسن جدد بالقدس مدرسة وَعرض عَلَيْهِ مشيختها وقررله فِيهَا كل يَوْم عشرَة دَرَاهِم فضَّة فَأبى بل كَانَ يمْتَنع من أَخذ مَا يُرْسل بِهِ هُوَ وَغَيره إليه من المَال ليفرقه على الْفُقَرَاء وَرُبمَا أَمر صَاحبه بتعاطي تفرقته بِنَفسِهِ وَله مُحَافظَة على الْأَذْكَار والأوراد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهي عَن الْمُنكر معرضًا عَن الدُّنْيَا وبنيها جملَة حَتَّى أَنه لما سَافر الْأَشْرَف إِلَى آمد هرب من الرملة إِلَى الْقُدس في ذَهَابه وإيابه لِئَلَّا يجْتَمع بِهِ وَمَا زَالَ فى ازدياد من الْخَيْر وَالْعلم حَتَّى صَار الْمشَار إليه بالزهد فِي تِلْكَ النواحى وَقصد للزيارة من سائرالآفاق وَكَثُرت تلامذته ومريدوه وتهذب بِهِ جمَاعَة وعادت على النَّاس بركته قَالَ السخاوي وَهُوَ في الزّهْد والورع والتقشّف وَاتِّبَاع السنّة وَصِحَّة العقيدة كلمة إجماع بِحَيْثُ لَا أعلم فِي وقته من يدانيه في ذَلِك وانتشر ذكره وَبعد صيته وَشهد بخيره كل من رَآهُ انْتهى وَقَالَ ابْن أَبى عذيبة وَكَانَ شَيخا طَويلا تعلوه صفرَة حسن المأكل والملبس
1 / 50