وأخبر -تعالى- أنه اصطفى نوحا فقال تعالى: {ونوحا} فأخبر -تعالى- أنه اصطفى ولم يذكر -تعالى- أهلهما، فعلمنا أن الاصطفاء لهما منه تعالى وتركه لغيرهما من آلهما معنى لا يستوون بأنه وذريتهما فيه وهو الزيادة في العقل والدين والإقتداء من ولدهما على كل حال لعظمهما عند الله تعالى وزيادتهما بالفضيلة على ولدهما بزيادة العقل والدين، ثم أخبر تعالى بالدين في رتبتهما في الاصطفاء من ذريتهما فقال تعالى: {وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}(1) فعرفنا بهذا الترتيب أن هؤلاء كلهم {أعني آدم عليه السلام ونوح عليه السلام وإبراهيم -عليه السلام) وآله ذريته على الحقيقة، وآل عمران عليهم السلام آله ذريته على الحقيقة ، فعلمنا أن لهؤلاء بنص الاصطفاء زيادة على غيرهم في العقل والدين وأن الله تعالى يريد من غيرهم أن لا يخالفوهم، وأنهم معصومون، وهم من نص الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- على عصمتهم كالرسل والأنبياء والأوصياء وبعض الذراري من غير الرسل من الرجال كعلي عليه السلام في الأوصياء وكالحسنين، وفي النساء فاطمة ومريم -عليهما السلام- في الذرية من غير الرسل أو على الجملة كجماعة أهل كل عصر، وإن ظلم نفسه بعض الأفراد فلا يقدح ذلك أبدا -إن شاء الله تعالى- ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم صفوة ولد إبراهيم من آله وسيد ذريته، وعلي عليه السلام وهو صلى الله عليه وآله وسلم فرعان من أصل واحد دينا ونسبا وعصمة، وفاطمة -عليها السلام- من صلبه صلى الله عليه وآله وسلم وولدها ولده عليه السلام فلما لم يصح لذريته صلى الله عليه وآله وسلم الاصطفاء بالنبوة لكونه صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين وذريته صلى الله عليه وآله وسلم بعضه بدليل قوله تعالى في آخر الآية بعد ذكره تعالى لاصطفائه لهم: {ذرية بعضها من بعض} يعني تعالى في النسب، فشهد لهم تعالى بصحة نسبهم ممن اصطفاه، وبعضها من بعض في الدين والإسلام والمناصرة، وبعضها من بعض في الاصطفاء والاختيار إلى انقطاع التكليف.
صفحه ۱۷۰