129

بدر منیر

البدر المنير في معرفة الله العلي الكبير

ژانرها

فقه شیعه

فصل [ والأئمة من ولد إبراهيم عليه السلام هم الرسل والأنبياء بوقوع الوحي إليهم إلى أن بعث ووجد نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانقطعت الأنبياء والرسل من حين وجد إلا هو صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبقى في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم ولا بعده [صلى الله عليه وآله وسلم] رسول ولا نبي ولا وحي إلى رسول ولا نبي مما ثبت به نبوة لغيره صلى الله عليه وآله وسلم وقد وعد الله تعالى نبيه إبراهيم [عليه السلام] بالإمامة في ذريته عليه السلام على الإطلاق إلى آخر التكليف، فبقيت الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجردة بغير رسالة ولا نبوة ونظرنا فإذا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأنبياء وخيرة ولد إمامهم إبراهيم -عليهما السلام- ونظرنا أن ذرية كل نبي ورسول قد جعل الله تعالى لهم حكمه بضرورة دين كل نبي إلا لفرق دليل صحيح، فعلمنا بنص الله تعالى أنه تعالى قد جعل آدم عليه السلام وذريته خلفاء الجن في الأرض ونفى تعالى أخاهم وصاحبهم -أعني الجن- إبليس لعنه الله تعالى لما حسد آدم عليه السلام وخص تعالى ذرية آدم عليه السلام بالمزية والفضيلة على الجن مثل أبيهم آدم عليه السلام فقال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}(1) وكذلك نوح عليه السلام فإنه لما صبر على مكائد قومه وحسدوه عليه السلام أورثه الله تعالى إياهم وأهلكهم ونجاه وجعل من أجره تفضيل ذريته وأبقاهم دون غيرهم لأجله، فقال تعالى في ذلك: {وجعلنا ذريته هم الباقين}(1) وكذلك إبراهيم عليه السلام حسده قومه وألقوه في النار وفعلوا معه ما فعلوا فنجاه الله تعالى وجعلهم الأسفلين، وابتلاه تعالى فأتم ما ابتلاه به من الكلمات، فخصه الله تعالى بأن جعله إماما وقدوة للخاص والعام، لكن ولده محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإنه أفضل منه، وكذلك خص أولاده وذريته - عليهم السلام- بأن جعل منهم الأئمة إجابة لدعوته عليه السلام وإكراما لهم وله {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من أمره}(2) وكذلك إسماعيل وإسحاق لهما -عليهما السلام- من الفضائل ما اشتهر وكثر، ولإسماعيل عليه السلام من الصبر أشده وهو الصبر على الوفاء بالذبح وصدق الوعد وغير ذلك، وكذلك محمد صلى الله عليه وآله وسلم حسده قومه وشردوه وفعلوا معه ما فعلوا مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم المصطفى والخيرة من ولد إبراهيم عليهم السلام لا يساويه أحد من البشر في [34ب] الفضل، فلا حكم لأحد من البشر معه ولا يتقدمه ولا يشاركه في رسالة ولا نبوة في زمانه ولا بعده، ولا يوحى إلى أحد في زمانه ولا بعده وحي نبوة بل إلهام أو رؤيا، وليس أيهما يفيد نبوة، والرؤيا وحي تثبت به الأحكام الشرعية في حق الأنبياء بعد ثبوت نبوتهم بغير الرؤيا من المعجزات دون غيرهم عليهم السلام فلا تثبت برؤياهم الأحكام الشرعية إجماعا، والرؤيا وحي في حق العقلاء ولا يكون في حق الحيوانات غيرهم، والإلهام وحي يصح وهو حاصل لكل حيوان إلا من شاء الله تعالى أن يسلبه عنه وفي ذلك يقول الله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل}(1) ويقول تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى}(2) في النساء، ولا تصح النبوة في حقهن إجماعا، أي: ألهمنا النحل وألهمنا أم موسى -عليها السلام- ما نجا به موسى عليه السلام من فرعون -لعنه الله- من الحيل وعرفنا، أو أرسل إليها -سبحانه- ملكا يخبرها بذلك، أو كلمها سبحانه بذلك على غير جهة النبوة، كما أرسل سبحانه إلى مريم -عليها السلام- وكلمها، أو أوحى إليها على لسان نبي في زمنها أو بالرؤيا، وكل هذا جائز وأن ذلك إرهاص لنبوة موسى عليه السلام لضرورة دين كل نبي أن الله تعالى قد جعل لذريته حكمه مع صلاحهم وكرمهم وفضلهم لأجله وجعل منهم أنبياء ورسلا، فلما تيقنا ذلك وتيقنا أن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أفضل منهم، وأن للذرية حكم الأب كما في سائر الأنبياء، وكانت النبوة قد امتنعت عن ذرية سيد الرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أمنع خصوصيته {أعني: ذريته -صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة معجزة له وإكراما له بقيت خصوصية الإمامة في ذريته وعترته عليهم السلام دون غيرهم بعده صلى الله عليه وآله وسلم من ولد إبراهيم؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يساويه غيره من ولد إبراهيم عليه السلام فكذلك لا يساوي ذريته صلى الله عليه وآله وسلم في الفضل أحد من ولد إبراهيم عليه السلام بعد الأنبياء عليهم السلام وليس الأنبياء في زمانهم عليهم السلام لأنه صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، فحينئذ لم تكن الإمامة إلا بحضوره فيهم دون غيرهم لئلا يفرق بين أبيهم سيد الرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين من هو دونه في الفضل من الأنبياء إذا قلنا لا تخص ذريته صلى الله عليه وآله وسلم بفضيلة الإمامة والرد إليهم ما التبس وكونهم حجة؛ فلو لم يفعل لهم ذلك لكنا -والعياذ بالله- قد فرقنا بين الرسل في بيان ذراريهم الذين دل الدليل القاطع أن لهم ما لهم بغير دليل وذلك كفر لقوله تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}(1) وقد نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مثل ما ذكرنا في تفسير الآيات وتبيين معانيها وأنهم عليهم السلام أفضل البشر بعده صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم أفضل أمته -صلى الله عليه وعليهم، فقال -صلى الله عليه وآله وسلم: ((ليس أحد يفضل أهل بيتي غيري))(2) ويقرر هذا الحديث من القرآن مما يوافقه في النص بإفادته بنصه الصريح لمثل ما دل عليه هذا [35أ] الحديث وغيره من أحاديث التفضيل، والإئتمام يجب إذا ثبت التفضيل والإمامة من معظم ما يبين المتبع من غيره والمعتقد لفضيلتهم من غير المعتقد لما فيها من التكاليف الشاقة ومجانبة أحوال أهل الدنيا، والصبر على كل من يظهر من أهل العناد والجدال والتعنت والاستهزاء والإستحقار، وأهل الغلو والدعوى والقدح على الإنسان في الجسم والقول والفعل والعقل؛ ولو كان قد رضي الله تعالى به فيقدحون؛ فالذي يقرر ذلك كذلك قوله تعالى: {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم}(1) فأخبر تعالى أنه اصطفى آدم بأن جعله رسولا إلى الملائكة فقال تعالى: {يا آدم أنبئهم بأسمائهم}(2) وأمرهم -تعالى- بالسجود له -تعالى- لأجله فقال تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين}(3).

صفحه ۱۶۸