وهم بعض الطلاب أن يجادله في ذلك فقال له متجهما: وماذا نصنع وقد أراد الله لصاحبك ألا يشهد هذه المحاضرات؟
وانصرف أولئك النفر من الطلاب ساخطين على السكرتير العام سخطا أشد وأعظم من سخطهم على صاحب الباب، وقالوا للفتى: لا بأس عليك، سنصحبك نحن إلى مجلسك.
وصحبوه إلى مجلسه متلطفين له متحببين إليه، وردوه إلى غلامه بعد انقضاء الدرس، وجعلوا منذ ذلك اليوم لا يرون الفتى مقبلا حتى يحيطوا به من قريب، فإذا بلغ باب الغرفة أخذ أحدهم بيده ، وصحبه إلى مجلسه، ثم رده إلى غلامه بعد ذلك، ولو أطاع الفتى نفسه في ذلك المساء لانصرف عن الجامعة ولحرم على نفسه الاختلاف إلى دروسها.
ولكن الجامعة كانت أحب إليه وآثر عنده من كبريائه تلك السخيفة.
وهو على ذلك لم ينم ليلته تلك، وإنما أنفقها مسهدا محزونا، يذكر كيف لقي مثل هذه القسوة حين أراد أن ينتسب إلى الأزهر في آخر الصبا وأول الشباب، وحين تقدم لأداء الامتحان في حفظ القرآن، فقال له أحد ممتحنيه: اقرأ يا أعمى سورة الكهف!
وذكر الفتى بعد سنين قصته هذه في الجامعة، وقصته تلك في الأزهر، حين دخل غرفة الدرس لأول مرة في جامعة مونبلييه، فسمع الأستاذ يقول لصاحبه: أيكون زميلك هذا مكفوفا!
قال الزميل: نعم.
قال الأستاذ: فإني أراه قد دخل الغرفة دون أن يرفع قلنسوته.
وكان الفتى حديث عهد بأوروبا لم يعرف بعد أن الناس يرفعون قلانسهم حين يدخلون مكانا مسقوفا، وأنهم يحضرون الدروس حاسري الرءوس.
وكذلك قضي على الفتى أن يستقبل طلبه العلم في الأزهر والجامعة المصرية والجامعة الفرنسية بكلمة عن آفته تلك تؤذي نفسه وتفرض عليه ليلة ساهرة، ثم يعرض عنها بعد ذلك؛ لأنه لم يكن يرى بدا مما ليس منه بد، وما أكثر ما ذكر بيت أبي العلاء:
صفحه نامشخص