فقام حمدان وهو يقول: سأدبر لك مقاما في مسكني، إنك أعز الأبناء، وهذه ليلة لها ما وراءها، ولعل الرباب ترويها غدا موصولة بقصة أدهم، هلموا نتعاهد على الخير والشر!
عند ذاك تصاعد صوت حمودة الفتوة، العائد مع الفجر، وهو يغني بلسان مخمور مترنح:
يا واد يا سكري تشرب تنجلي،
وتخش الحارة تتطوح تترمي،
وعاملي فنجري،
وتمز بجنبري.
فلم يؤخذوا بصوته إلا لحظة، ثم مدوا أيديهم للتعاهد في حماس، وفي رجاء.
38
وعلمت الحارة بعودة جبل؛ رأته يسير بجرابه، ورأت زوجته وهي تسعى إلى الجمالية لابتياع حوائجها، وتحدثوا عن مهنته الجديدة التي لم يسبقه إليها أحد من أبناء الحارة. على أنه كان يعرض ألاعيبه السحرية في الأحياء المجاورة دون حارته، وتجنب استعمال الثعابين في ألاعيبه فلم يفطن أحد إلى أنه بها خبير. ومر ببيت الناظر مرات وكأنما لم يطرقه في حياته وهو يكابد في أعماقه حنينا أليما إلى أمه. ورآه الفتوات مثل: حمودة والليثي وبركات وأبو سريع فلم يصفعوه كما يفعلون مع غيره من آل حمدان، ولكنهم عرضوا به وهزئوا بجرابه. وصادفه مرة زقلط فحدجه بنظرة قاسية، ثم اعترض سبيله متسائلا: أين كانت غيبتك؟
فقال في حلم: في الأرض الواسعة ...
صفحه نامشخص