اثر عرب در تمدن اروپایی
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
ژانرها
وفي هذا الدور أيضا من أدوار القضية العربية كانت السياسة الأوروبية تخذل العرب أو تمنعهم من الاستقلال غاية ما يقدرون عليه.
ثم نشبت حرب الأمم قبل ثلاثين سنة، فتحركت الجامعة العربية من جديد، تارة على هدى، وتارة على ضلال، فتسابقت دول أوروبا إلى كسب الأنصار من أمم العرب التي استقلت أو التي طمحت إلى الاستقلال، وانتهت الحرب والأمم العربية جمعاء متفقة على المطالبة بالحرية، والمناداة باسم العروبة في جامعة تتوافر لأعضائها حقوق الاستقلال.
وعلى ما كان من موقف أوروبا في المقاومة والتثبيط كانت لها فلتات هنا وفلتات هناك تبدر منها حينا بعد حين، في سبيل التشجيع والإغراء.
فكان الإنجليز مثلا يشجعون المناداة بمصر للمصريين؛ لأنها تفصل مصر عن الدولة العثمانية، ولكنهم يثبطونها من جهة أخرى؛ لأنها ثورة صريحة على الاحتلال البريطاني، وما عسى أن يتطور إليه من بسط الحماية البريطانية في صورها الكثيرة.
وكان الفرنسيون ينشئون المدارس في البلاد السورية كما ينشئون فيها المطابع والمجامع؛ لنشر كتب العرب وثقافة العرب، وإحياء التراث العربي القديم؛ سعيا إلى الفصل بين العرب والدولة العثمانية لا سعيا إلى استقلالهم عن جميع الطامعين، وكانوا يجتنبون ذلك في أفريقيا الشمالية حيث يتفردون بالحكم ولا يستريحون إلى عواقب هذه اليقظة، أو هذه الجامعة الثقافية الدينية.
وكان الألمان يقابلون هذا بالتقرب إلى «الجامعة الإسلامية»؛ لأنها تشمل التقرب من الترك والعرب على السواء، ولكنهم يطمحون من وراء هذه الجامعة إلى بلاد العرب في طريقهم إلى الهند والأقطار الآسيوية، ويدفعون السلطان عبد الحميد إلى مد خطوط المواصلات في أنحاء سورية والجزيرة تحقيقا لأحلامهم، التي تتلخص في صيحتهم من «برلين إلى بغداد» ... ثم إلى الهند من هذه الطريق.
فالسياسة الأوروبية قد وجدت حركة قائمة فاستفادت منها تارة بالمقاومة، وتارة بالتشجيع. أما أنها تخلقها خلقا فذلك مخالف للواقع، مخالف لفحوى التاريخ. وهي تدخل اليوم في طور جديد بفضل كيانها القديم لا بفضل السياسة المصطنعة، أو التدبير الخارجي من جانب الإنجليز أو جانب الأمريكيين.
وقد تكون لبريطانيا العظمى مصلحة في مصادقتها، ورغبة في معاملتها، ولكنها تجد هذه المصلحة في التفاهم بينها وبين الإغريق أو الإيطاليين، فلا يقول قائل: إنها خلقت القومية الإغريقية، أو خلقت القومية الإيطالية، أو إنها قادرة على تجاهل القوميتين وإحباط ما ترميان إليه إذا تحولت السياسة من خطة إلى خطة في المستقبل القريب أو المستقبل البعيد.
فالجامعة العربية حركة طبيعية من قديم الزمن، وهي طبيعية في هذا الزمن على التخصص؛ لأن العصر الحاضر ينادي باحترام حقوق الأوطان، وينادي بالتعاون في الجوار، وينادي بالتعاون الشامل في المسائل العالمية الكبرى. وأبناء العربية يحبون الاستقلال لأوطانهم ويتجاورون، فيحتاجون إلى التعاون فيما بينهم على المرافق المشتركة، وهي أكثر من أن تنحصر في مرافق الماضي، أو مرافق الحاضر، أو مرافق المستقبل على انفراد، وكلهم يودون أن يعانوا وأن يعينوا في المسائل العالمية الكبرى التي تمسهم مباشرة، أو تمسهم بنتائجها التي تعم البشر أجمعين.
وللجامعة العربية مستقبل سياسي رهين بأحوال العالم وتقلباته، وانتظام العلاقات بين شعوبه وحكوماته، ولكن اليقظة العربية حقيقة لا ترتهن بالسياسة وحدها؛ لأنها مستمدة من طبيعة الأشياء لا من برامج الدولة والرؤساء.
صفحه نامشخص